بقلم: خالد منتصر
فلوريدا كيز، وهى مجموعة جزر تابعة لفلوريدا، قررت أن تحارب أخطر نوعية من البعوض وهى التى تسمى «الزاعجة المصرية» بإطلاق ٧٥٠ مليون بعوضة!! تجربة عجيبة ومدهشة تستحق أن تُحكى لتعرف أن مفاجآت العلم لا تنتهى، سيتم إطلاق بعوضة معدَّلة وراثياً -750 مليوناً منها- فى فلوريدا كيز فى عامَى 2021 و2022، البرنامج التجريبى، الذى تمت الموافقة عليه من قبَل وكالة حماية البيئة (EPA) فى مايو، اعتبر أن البعوض المهندس والمعدل هو بديل جيد لمكافحة الآفات برش المبيدات الحشرية، الهدف المحدد هو Aedes aegypti، التى يمكن أن تحمل أمراضاً خطيرة ومميتة مثل فيروس زيكا وحمى الضنك أو الدنج الذى أصاب ٤٧ مواطناً هذا العام وداء الشيكونغونيا والحمى الصفراء، لكن ما البعوض المعدَّل وراثياً بالضبط؟ تم إنشاء هذا البعوض من قبَل شركة تسمى Oxitec، وسيتم إطلاقه فى البرية من خلال «الاختبارات الميدانية»، كما تقول الشركة فى بيان صحفى، هذا البعوض بالذات هو ذكور فقط، وهذه الجحافل الناموسية معدَّلة وراثياً لتحمل بروتيناً «يمنع بقاء نسلها من الإناث عندما تتزاوج مع أنثى بعوض برى»، كما تقول أوكسيتيك، إلا أن النسل الذكر سيبقى على قيد الحياة، وحقيقة من الممكن أن تكون جديدة للقارئ، وهى أن إناث البعوض فقط هى التى تلدغ الناس، بينما تأكل الذكور رحيق الزهور، كما تقول إيفا باكنر، الدكتورة، أخصائية الإرشاد الطبى فى علم الحشرات بجامعة فلوريدا، لمجلة Health. ونظراً لأنهم يطلقون البعوض الذكور فقط، فلن يعضوا و«لن يشكلوا خطراً على الناس».
وتقول الشركة: «من المتوقع أيضاً ألا تكون هناك آثار ضارة على الحيوانات مثل الخفافيش والأسماك فى البيئة»، وقد تم استخدام هذه الطريقة بالفعل فى البرازيل و«أدت إلى انخفاض بنسبة 95٪ فى عدد بعوض الزاعجة المصرية المحلية»، كما تقول باكنر. وتضيف: «لقد تم إثبات فاعلية هذه التكنولوجيا فى تجارب ميدانية صغيرة سابقة»، وتروى دراسة أخرى، نُشرت فى مجلة Nature، كيف أدى إدخال البعوض المعدَّل وراثياً فى جزيرتين فى الصين إلى تقليل أنثى بعوضة النمر الآسيوى بنسبة تصل إلى 94٪.
لإطلاق العنان لهذا البعوض فى البرية، سيتم وضع الصناديق التى تحتوى على ملايين من بيض الذكور المعدَّلة وراثياً فى مكان ما فى فلوريدا كيز، تقول أوكسيتيك إن الماء يضاف، وسوف يفقس ذكر البعوض وينضم إلى بعوض الزاعجة المصرية فى المنطقة، من هناك سوف يتزاوجون مع إناث البعوض البرية ويقتلون نسلهم من الإناث بشكل فعال، سيبقى النسل الذكر على قيد الحياة ويحمل التعديل الوراثى، تقول باكنر: «ستستمر هذه العملية جيلاً بعد جيل، مما يؤدى فى النهاية إلى انخفاض عدد البعوض»، ولكن ليس كل شخص فى فلوريدا كيز سعيداً بإضافة المزيد من البعوض إلى المنطقة، لذلك احتج العديد من السكان وجماعات الدفاع عن البيئة على الخطة، وقال جايدى هانسون، مدير السياسات فى المركز الدولى لتقييم التكنولوجيا ومركز سلامة الأغذية، فى بيان: «استخدمت الإدارة أموال الضرائب والموارد الحكومية فى تجربة حديقة جراسيك»، «ما الذى يمكن أن يحدث بشكل خاطئ؟ لا نعرف، لأن وكالة حماية البيئة رفضت بشكل غير قانونى التحليل الجاد للمخاطر البيئية، والآن بدون مزيد من المراجعة للمخاطر، يمكن أن تستمر التجربة»، حتى إن البعض قلق من أن ينتهى هذا البعوض المعدَّل وراثياً بتكوين بعوض برى هجين قد يزيد من عدد الأمراض التى ينقلها البعوض فى جنوب فلوريدا، هناك سابقة لذلك: دراسة واحدة، نُشرت فى مجلة Nature فى عام 2019، توضح بالتفصيل كيف أن نفس البعوض المعدَّل وراثياً خلق سلالة هجينة من البعوض، لكن مؤلفى الدراسة يقولون إنه «من غير الواضح» كيف يمكن أن يؤثر ذلك الهجين على انتقال المرض، لكن تشاد هوف، المتحدث باسم منطقة فلوريدا كيز لمكافحة البعوض، يخبر «الصحة» بأنه يجب القيام بشىء ما، يقول: «أصبحت الزاعجة المصرية أكثر مقاومة لمبيدات الآفات التى تطبقها فلوريدا كيز لمكافحة البعوض». «من المهم للغاية أن تستكشف هذه المنظمة خيارات أخرى للسيطرة على هذا البعوض الخطير جداً الذى أصاب الكثير من سكاننا المحليين بالمرض».
وهكذا يظل العلم يطرح الأسئلة ويجرب ويبحث من أجل سعادة البشر، وتظل الحيرة العلمية تحفيزاً لا عيباً.