بقلم: خالد منتصر
الروائى الجزائرى واسينى الأعرج، صديق عزيز يعيش فى فرنسا ويدرّس للطلبة فى «السوربون»، وهذا ما يجعل تعليقه على حادث قتل المعلم الفرنسى تعليقاً له أهمية ودلالة ولا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار، خاصة أنه قد عاش طفلاً مكتوياً بنار الاحتلال وقتها، وفقد والده لهذا السبب، ولكنه كبر وهاجر وصار يشار له بالبنان فى وسط المجتمع الفرنسى والعربى على السواء، فهو ابن ثقافة التسامح والعلمانية والتنوير، هذه هى رسالته التى لا بد أن تسمع وتقرأ وسط هذا اللغط، رسالته التى يقول فيها:
يجب التفريق بين شيئين، بين الجريمة السياسية التى يقف وراءها تطرف دينى أعمى، والإسلام. وإلا سيختلط الحابل بالنابل. الجريمة جريمة دينياً وعرفياً وقانونياً. أن يقطع رأس إنسان فى شارع، هذا لا يمكن توصيفه إلا بالجريمة. لا يمكن قبول الاعتداء على معلم (سامويل باتى) مهما كانت الأسباب المتخفية من وراء ذلك، وبين الإسلام فى صفائه وإنسانيته. وهذا الإسلام موجود وحى، وهو من أنار العالم فى وقت الظلمة. هو من أنجب كبار مفكرى التنوير العربى الإسلامى من أمثال ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع عالمياً، ابن رشد، الذى تنبه فى وقت مبكر لمخاطر الفقهاء فى استثمار الدين لمآرب سياسية وشخصية. والشيخ الأكبر ابن عربى، الذى سحب الدين من سدنة القتل ووضعه فى قلوب الناس، وفى الدائرة الذاتية، كلحظة تنويرية حية، وكلحظة اقتراب من المثال الأسمى. فى الإسلام آيات أصبحت اليوم مقولات حية للعقل والسجال: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل 125). أين نحن من ذلك كله اليوم؟ لهذا أقول دائماً الأديان فى جوهرها ترفض مثل هذه الممارسات التى تنتمى لعصر آخر، وإذا ورد أى شىء عكس ذلك، فى أى دين من الأديان، يجب رؤيته فى سياقه ولا يمكن تعميمه خارج أسبابه المرتبطة بلحظة زمنية لا يمكن تعميمها، كما يفعل المتطرفون. النظرة إلى هذه الجريمة بوصفها ممارسة تضع كل المسلمين فى دائرة الاتهام لا يمكن قبولها. لأنها ستضع ستة ملايين مسلم (وهم إما فرنسيون مولودون فى فرنسا، وإما مغتربون) فى دائرة الاتهام، بينما يعيشون دينهم بهدوء وسكينة كما بقية الأديان. أغلبهم يخرج نحو عمله فجراً ولا يعود إلا ليلاً، منغمس كلياً فى هاجس يومياته الصعبة مع الحياة والبطالة والأمراض المحيطة به. من هنا فتوجيه الأنظار نحو المسلمين La stigmatisation يخدم التطرف بالتفريق بين أبناء المجتمع الواحد فى تعدده وغناه. ما يقدمه التطرف من خدمات جليلة للتيارات اليمينية المتطرفة فى فرنسا وأوروبا، لا تحصى ولا تعد، بالخصوص فى هذه الفترة التى بدأت فيها التحضيرات للانتخابات القادمة التشريعية أو الرئاسية؟ يكفى أن ننظر إلى عودة الحركات المتطرفة إلى الساحة السياسية الأوروبية لنعرف أن الأمر غير منفصل عن استثمار التطرف الدينى الإسلاموى الذى يمنحها ورقة جديدة لتنهض من جديد.