بقلم: خالد منتصر
زفَّت إلينا وسائل الإعلام خبر أن دار الإفتاء -والحمد لله- قد حسمت قضية التجارب السريرية!!، الخبر يقول: «حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل الدائر حول مسألة «التجارب السريرية» بإجراء تجارب طبية على جسد الإنسان، وأكدت فى فتوى جديدة لها أن اختبار الدواء على جَسَد الإنسان هو ما يطلق عليه «التجارب السريرية»، والتى تعرفها منظمة الصحة العالمية بـ«التقييم الفعلى لفَرْض طبى -دوائى أو جراحى- جديد»، وهذا جزء من المفهوم الشامل للتجارب الطبية، التى تعنى: الانحراف عن الأصول الطبية المتعارف عليها لجمع معطيات علمية أو فنية، أو اكتساب معارف طبية جديدة بهدف تطوير العلوم الطبية والبيولوجية والحيوية.
وأوضحت دار الإفتاء فى فتواها أن هذه الاختبارات الطبية فى مجملها تتماشى مع حَثِّ الشرع الشريف على التداوى من الأمراض وإرشادِه إلى البحث عن العلاج، فقد روى أبوداود والبيهقى فى «سننيهما»، والطبرانى فى «المعجم الكبير» حديث النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام»، وعند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود رضى الله عنه، قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاءً، عَلِمه مَن عَلِمه، وجهله مَن جهله»، انتهى هذا الاقتباس من الخبر الذى نقلته وسائل الإعلام على أنه فتح علمى وانتصار بحثى عظيم، لكن الحقيقة أن من يحسم ليس دار الإفتاء أبداً، وهى ليست جهة اختصاص على الإطلاق فى تلك المشكلات الطبية، والفتاوى الدينية لا مكان لها فى البحوث الطبية، ويكفى ما حدث فى ختان البنات عندما اعتمد مؤيدو الختان على فتوى الشيخ جاد الحق وهو شيخ الأزهر السابق، وابتعدوا عن أنها جريمة طبية وأدخلونا فى معترك هذا حديث ضعيف أم حديث صحيح؟، وهل الفقيه فلان الفلانى أصدق من علان العلانى إلى آخر هذه المتاهة الجدلية العقيمة، ويكفينا أيضاً أن قانون زرع الأعضاء لم يفعل منذ صدوره فى ٢٠١١ نتيجة فتوى الشيخ الشعراوى أن أجسادنا ملك لله ولماذا نؤجل لقاء الإنسان بربه؟!!، ثم نأتى الآن لنعيد التجربة الأليمة ونحشر أنوف رجال الدين فى المسائل الطبية الدقيقة، وندخل أنفسنا فى متاهات المباح والمكروه والجائز والمعلوم من الدين بالضرورة.. إلخ مع قضايا لا تحسم إلا فى المعامل لا فى المساجد ودور الإفتاء، يحكمها رأى البالطو الأبيض لا العمامة الحمراء، ما علاقة البيهقى والطبرانى بالتجارب السريرية؟!! ما علاقة دار الإفتاء بـphase 1 and phase2 and phase3؟؟، هل دار الإفتاء ستحدد لنا المجموعة الضابطة والبلاسيبو؟، ومن الذى أخبر دار الإفتاء أن أبحاث الدواء لا تراعى صحة الإنسان والأعراض الجانبية؟ هناك أدوية تسحب من السوق بعد نزولها نظراً لأن مريضاً تعرض لخلل فى كهربة القلم مثلاً، والذى أجَّل لقاح أكسفورد هو شخص واحد فقط تعرض لالتهاب فى النخاع الشوكى فتوقفت الأبحاث إلى حين، والأهم هذا اللجوء المزمن للفتاوى الطبية والتفاخر بالمليون فتوى سنوياً، هو علامة مرض اجتماعى وفكرى وعقلى وليس علامة صحة وعافية أبداً، الدولة المدنية الحقيقة تلجأ فى الطب إلى رأى الأطباء فقط ولا دخل لرجال الدين فى تلك القضايا، الرحمة يا سادة بالدين والعلم، كلاهما يعانى عسر هضم عقلى ومعرفى من تخمة الفتاوى.