توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لقاء مع زكى نجيب محمود (٣)

  مصر اليوم -

لقاء مع زكى نجيب محمود ٣

بقلم: خالد منتصر

كان وجود السفارة الإسرائيلية بجانب العمارة التى يسكن فيها د. زكى يمثل مانعاً «بارليفياً» بالنسبة لنا يمنعنا من زيارته، حكيت له عن تخوفاتى فى التليفون، فتحدث إلى الضباط بأن يسهلوا مأموريتنا، فكان صعودنا إلى شقته سلساً وسهلاً، لفت انتباهى للمرة الثانية تعامل زوجة د. زكى معه بمنتهى الاحترام الذى يقترب من التقديس، بينما يصافحنا د. زكى، كنت أتأمله، هذا الرأس الذى يضم عقلاً تحليلياً جباراً، كنت أحس أن الجلد مشدود من فرط نشاط المخ وتوقده، الشرايين مرسومة وكأنها مجرى نهر وفروعه، كنت أحس أن النبضات العصبية لكهارب تعرجات القابع داخل هذه الجمجمة السحرية، تقفز إلى الخارج لتضىء المكان، نظارته السميكة بدوائرها التى تشبه العاصفة تخفى وراءها عينين فضوليتين لا تكفان عن السؤال، بحة صوته المجروح تحس معها أنه ظل يصرخ طيلة حياته «أنقذوا العقل العربى» بلا جدوى، كنت قد رتبت ألا يمتد اللقاء أكثر من ساعة لعدم إرهاقه، ولكنه امتد إلى خمس ساعات، تحدث فيها وكأنه شاب فى العشرينات، لم يكترث بأن حواره لن ينشر فى مجلة حائط لن تصدر، شرح لنا ما معنى كلمة فلسفة، وكيف أن الفلسفة أم العلوم، وكيف أنها مهمة للطبيب أن يفكر بطريقة فلسفية، تحدث إلينا عن الفرق بين العلم التجريبى والاستنباطى، وما هى الوضعية المنطقية واهتمامه بضبط المصطلحات، شرح لنا تعريف العلم والشك والتفكير النقدى ووظيفة اللغة التى نستعملها فقط فى الزركشة والتلاعب البلاغى، ما هو التراث وكيف نتعامل معه نقدياً غير مستلبين أو منومين أو مخدرين، وكيف أن هناك مناطق مضيئة فى تاريخنا الإسلامى مسكوت عنها لصالح مناطق أخرى مظلمة، سبحنا معه فى خضم محيط الفلسفة الواسع، كان يتعمد ألا نكون تلامذة فى رواق أو مجاورين بجانب عمود، بل مشاركين فى حوار، كنا بالرغم من صمتنا وانبهارنا، كانت كل دقيقة بسؤال يلمع فى أذهاننا، يتشكل ويتمرد، لم يتقمص دور الواعظ، بل كان المزعج الجميل، الذى يزعج كل ما هو كسول فينا، سألنا هل ندرس فى الكلية تاريخ الطب؟ ماذا كان وراء هذا الاكتشاف أو ذلك العلاج؟ كيف تولد السؤال فى مخ باستير أو كوخ أو فلمينج؟ كانت الإجابة لا، نحن ندرس الجسد البشرى وأمراضه ولا نهتم بما هو فى الكواليس، نحن نهتم بما ينفعنا فى الامتحان ولا يخذلنا أمام ورقة الاختبار أو فى الشفوى، خجلنا من أنه يعرف عن عمالقة فن وعلم الطب أضعاف أضعاف ما نعرف، تأكدنا أننا نُلقن لا نُعلّم. غادرت سكن د. زكى نجيب محمود وهو يسكننى ولم يغادرنى، زرع فىّ فضيلة السؤال والشك، بدأت أعرض كل ما يمر أمامى على شاشة العقل وأقيسه بترمومتر النقد وأضبطه ببوصلة الدحض والتفنيد، تأكدت أنه لا قارب نجاة إلا العلم، وأن اجترار الماضى وتقديسه وتوثينه هو أكبر جلطة أصابت العقل العربى بالشلل وعطلت حواسه وسدت كل شرايين التقدم فيه، وعندما أدخل المكتبات الآن ولا أجد كتب د. زكى نجيب محمود، وأسمع أنها لم تطبع ثانية منذ ربع قرن إلا صدفة، كتاب هنا أو مقالة هناك، أعرف حينها لماذا صار مزاجنا سلفياً خرافياً كارهاً للعلم غارقاً فى الأوهام والهلاوس والضلالات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لقاء مع زكى نجيب محمود ٣ لقاء مع زكى نجيب محمود ٣



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon