بقلم: خالد منتصر
تحدَّث المفكر والفيلسوف المغربى د. سعيد ناشيد فى نهاية المقال الأخير عن أسس الرؤية الحداثية، ونستكملها معه فى حلقتنا الأخيرة من سين وجيم حول الحداثة، من تلك الأسس:
• التخلص من الرؤية السحرية للعالم، وذلك عبر العلم، الإدارة، التجربة، الحساب، القياس، البرهان، وغيرها، فيما يسميه ماكس فيبر بنزع القداسة عن العالم، أو العلمنة باختصار شديد. هذا أيضاً له وجه دراماتيكى، إذ خارج الرؤية السحرية للعالم ليس الكون سوى صخور وغبار وزوابع، لا شىء يبعث على الإحساس بالسحر، لكنها الحقيقة.
• العقل الأخلاقى الذى بموجبه يميز الإنسان بين الجيد والسيئ هو مصدر التشريع، وهو ينمو فى إطار الفرد، والجماعة، والنوع البشرى، وبالتالى يجب أن تخضع التشريعات المحلية والكونية للتطور الدائم، وذلك لأجل تفادى الشرخ بين الضمير والقانون. ثمة ما يبعث على القلق حين يكون على القوانين أن تتطور باستمرار، غير أن إنكار النمو لا يوقف النمو الذى هو قدر الإنسان سواء فى إطار الفرد أم فى إطار النوع البشرى.
• التخلص من الرؤية الهرمية للبشر، باعتماد مبادئ المساواة، تكافؤ الفرص، ووحدة النوع البشرى. تمثل الحداثة أيضاً لحظة الانتقال من عالم الهرمية القديم إلى عالم المساواة الحديث، حيث أصبح الناس متساوين فى القيمة، الكرامة، والقدرة على التمييز بين الجيد والسيئ، بصرف النظر عن لغاتهم ودياناتهم وهوياتهم، فيكون العجز عرضياً بسب نقص المعلومات أو الحالة الانفعالية، وهذا يمكن تداركه عبر جهدين: تعميم المعرفة العلمية، وتعميم المواطنة.
الديمقراطية هى ثمرة المساواة بين مواطنين يمتلكون القدرات العقلية نفسها على التمييز بين الخير والشر، وذلك حين تشتغل عقولهم بنحو جيد. بيد أن العقل لا يشتغل جيداً إلا فى ظروف الأمن والاستقرار، لذلك لا أرى ما هو أكثر سخافة من الرهان على صناديق الاقتراع لإخراج بعض الشعوب