بقلم: خالد منتصر
أكثر الأرقام إزعاجاً الرقم الذى ذكره اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن نسبة الطلاق فى مصر، ذكر أن آخر إحصائية قد رصدت 225 ألف حالة فى 2019 مقابل 201 ألف حالة فى 2018، أى إنه «فى مصر يحدث كل ساعة 106 حالات زواج، وفى الشهر 30900 حالة، أما حالات الطلاق فتحدث حالة طلاق واحدة كل 2 دقيقة و20 ثانية، وفى الساعة 27 حالة، أما فى اليوم فهناك 651 حالة، وأكثر من 7000 حالة طلاق فى الشهر». الرقم الذى يقول إن هناك حالة طلاق تحدث فى مصر كل دقيقتين هو رقم لا بد أن تحتشد لدراسته أجهزة الدولة ووزاراتها ومؤسساتها وجامعاتها، أساتذة علم النفس والاجتماع وأطباء الأمراض العصبية والنفسية... إلخ، لماذا انتشر الطلاق فى مصر بتلك السهولة والبساطة واللامبالاة؟
لم يعد الطلاق فقط طلاق شباب مراهق منفعل عديم التجربة، بل أصبحنا نشاهد فى محيطنا الضيق، بمعدل شبه يومى، زيجات انهارت بالطلاق بعد عشر وعشرين سنة عِشرة وأولاد، ومن الممكن أحفاد كمان! هل السبب هو ضعف قراءة الولد للبنت والعكس قبل الزواج؟ لم تعلمهما الأسرة ولا المجتمع كيفية التعامل مع شخصية البنت والولد، وهما من عالمين مختلفين تماماً، هل الأزمة هى فى ضيق مجال الاختيار بعد مرحلة الدراسة الجامعية، فأصبح مَن لم يرتبط فى الجامعة مجبراً على الرضوخ لزواج الصالونات ووساطة الخاطبة؟ هل هى الأنانية التى لا يريد الطرفان التنازل عنها، وفهم أن شراكة الزواج شرطها الأساسى أن تخصم من أنانيتك؟ هل السبب هو رفع سقف التوقعات بعد الزواج؟ هل دس أنف الأسرة المصرية فى علاقة الزوج والزوجة الشخصية جداً، وعدم السماح لهما بالخروج عن مدار الجاذبية الأمومى والأبوى، هو المخرب لذلك الرباط المقدس، أو ما كان مقدساً؟ هل هو إرهاق الطلبات المصرية السخيفة، بداية من شبكة الألماظ والنيش وصالون لويس السادس عشر والباركيه المسمار والرخام الإيطالى والبيديه البلجيكى... إلخ؟ هل غياب الحب الحقيقى ومعناه الذى يترجم عند البعض إلى مجرد الإعجاب الذى يحول العروسة إلى دمية والعريس إلى ماكينة ATM هو العامل الرئيسى فى فشل الزواج وخراب البيت؟ هل هو عدم التوافق الجنسى نتيجة الجهل بالثقافة الجنسية واتخاذ نماذج وكتالوجات وموديلات النجاح من خزانة النميمة أو من قنوات البورنو؟ هل السبب هو الأحوال الاقتصادية والمعيشية الصعبة وفرض نمط انتحارى من المعيشة التى تجعل الزوج والزوجة يكافحان فى الشارع فى أعمال إضافية حتى منتصف الليل، فيصبح البيت حلبة صراع أو معبد خرس وصمت؟ هل مجتمع المقارنات وعدم الرضا، وشوف فلان مركّب مراته عربية شكلها إيه، وشوفى علانة وارثة شاليه فى مارينا فخم إزاى، هو أول مسمار فى نعش العلاقة؟!
هل الخرس الزوجى والسكتة العاطفية للعلاقة قدر محتوم كالموت، وأن هذا الصمت الذى يشبه صمت القبور فى بيوتنا بعد فقدان الشغف والفضول والوله.. هذه الأشياء التى تتبخر بعد السنة الأولى، هل هذا من لوازم علاقة الزواج الممتدة؟ لماذا زادت نسبة الطلاق بتلك الصورة السرطانية فى مصر المحروسة، سؤال شائك يتم التواطؤ على دفنه «وطناشه»، إنها سياسة «كنس التراب تحت السجادة» التى نمارسها مع كل مشكلاتنا الاجتماعية، السرطان يا سادة لا يؤجَّل علاجه، فالتأجيل معناه مرحلة اللاعودة.