بقلم : خالد منتصر
فى مقال نُشر مؤخراً فى صحيفة نيويورك تايمز، صرح د. توماس فريدن، المدير السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تصريحاً متشائماً، قال فيه «من غير المحتمل احتواء الفيروس»، وفى المقال نفسه، قال الدكتور أنتونى فوسى، مدير المعهد الوطنى الأمريكى للحساسية والأمراض المعدية «إنه شديد العدوى للغاية، ومن المؤكد أنه سيكون وباءً»، من ناحية أخرى، لا تزال منظمة الصحة العالمية متفائلة، فقد قال رئيس فريق الاستجابة للطوارئ، الدكتور مايكل ريان: إن «هناك أدلة كافية تشير إلى أنه لا يزال من الممكن احتواء هذا الفيروس». ما بين التشاؤم والتفاؤل يظل العلماء فى معاملهم يعملون فى اتجاهين، اختراع دواء للعلاج أو تطوير تطعيم ولقاح للوقاية، ولحسن الحظ فإن الدروس المستفادة خلال وباء فيروس إيبولا فى غرب أفريقيا 2013 تُمكن العلماء الآن من تطوير تلك اللقاحات.
«CEPI» التحالف من أجل ابتكارات التأهب للوباء، وهى منظمة دولية لا تهدف للربح وتتمتع بمهمة الإسراع فى تطوير لقاحات ضد الأمراض المعدية الناشئة، أعلنت تلك المنظمة فى 23 يناير عن دعم مالى لثلاث مؤسسات، لتطوير لقاح ضد الفيروس، الذى تم تحديده حديثاً، وهى: Inovio Pharmaceuticals Inc، وجامعة كوينزلاند وModerna Inc شراكة مع NIAID، وفى 31 يناير، أعلنت CEPI أيضاً عن شراكة مطولة مع CureVac، وهى شركة للتكنولوجيا الحيوية، لتكييف نظام لقاح RNA الخاص به، وبعد أربعة أيام، أطلقت CEPI دعوة لتقديم مقترحات لتطوير لقاحات جديدة ضد فيروس كورونا الجديد، مفتوحة لجميع المنظمات، التى تفى بمعاييرها وفى حوزتها منصة متاحة بسهولة، وأعلنت شركة جونسون آند جونسون أيضاً عن مشاركتها فى تطوير اللقاحات، ثم أعلنت شركة GlaxoSmithKline مؤخراً عن شراكة مع CEPI، وكان أحدث من انضم إلى الطابور هو جامعة هونج كونج، التى أعلنت عن وجود لقاح تم تصميمه من لقاح فيروس الإنفلونزا المعدّل.
كل هذه الأبحاث تتم عبر ما يُسمى بـ«منصات اللقاحات»، وهى أدوات يمكن للعلماء استخدامها لتطوير لقاح جديد، باستخدام نظام مشابه للأنظمة الناجحة سابقاً، على سبيل المثال، أحد الأساليب المعروفة والمباشرة، وهو «المنصة المعطلة»، حيث يتم نسخ الممرض بأمان فى المختبرات، ويتم تعطيله، ثم إعطاؤه كلقاح، ورغم أن هذه المنصات تستخدم طرقاً مختلفة، إلا أنها تتمتع جميعها بالهدف العام نفسه المتمثل فى تدريب الجهاز المناعى للفرد، الذى تم تطعيمه على التعرّف بسرعة على العامل الممرض داخل الجسم، لكن لماذا هناك الكثير من المنصات المختلفة؟ حسناً، كل منصة لها مزاياها وعيوبها. بعضها أسهل فى الإنتاج الضخم، وبعضها يُحدث تأثيرات جانبية أقل، والبعض الآخر أفضل فى تدريب جوانب معينة من الجهاز المناعى.
حتى هذه اللحظة ما زال العلماء غير متأكدين من النظام الأساسى الذى سينتج اللقاح الأكثر نجاحاً، وهم معذورون، فتصميم اللقاحات يبدو بسيطاً على الورق، لكن خروجه إلى النور واستخدامه للبشر قصة طويلة ومعقّدة، فالعلماء يعملون حالياً على تحديد أجزاء من SARS-CoV-2، التى يمكنهم استخدامها فى لقاحاتهم، يجب اختيار هذه الأجزاء بعناية، لأنها تحتاج إلى محاكاة شكل العدوى الحقيقية لأجسامنا، يجب أن يتم ذلك بالتزامن مع اختيار طريقة مناسبة لإيصال اللقاح، المنصة التى سيتم استخدامها، وبمجرد توافر لقاح مرشح، فإنه يحتاج إلى الخضوع لاختبار السلامة والفاعلية فى الحيوانات، وليست كل حيوانات المختبر عرضة للإصابة بطريقة إصابة البشر نفسها، لهذا السبب يعمل العلماء أيضاً على تحديد النموذج الحيوانى المناسب لتقييم اللقاحات، بمجرد أن تكون التجارب على الحيوانات مرضية، يمكن إعطاء اللقاح للبشر فى تجربة سريرية لتقييم سلامة اللقاح وفاعليته. وهذا يعنى شهوراً وسنوات إضافية (إن لم يكن لعقود)، وأيضاً ملايين الدولارات، وبعدها يجب أن يتم تسجيل اللقاح والحصول على موافقة الجهات التنظيمية، ويتم إنتاجه على نطاق واسع وتوزيعه، وهذا من الممكن أن يستغرق سنوات، لكن خبراء الصحة يقولون إذا كنا محظوظين، وكل شىء على ما يرام، فقد يكون لدينا لقاح آمن وفعّال فى غضون عام تقريباً، أى فى أوائل عام 2021، ويقولون إذا كانت الصين قد تمكنت من بناء مستشفى يتسع لـ1000 سرير فى 10 أيام لمواجهة انتشار الوباء، فمن الممكن جداً أن يتوافر اللقاح خلال عام.