توقيت القاهرة المحلي 18:14:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حزن غير محتمل

  مصر اليوم -

حزن غير محتمل

بقلم: خالد منتصر

ما إن حررت الرواية من غلاف السيلوفان وتابعت سطورها الأولى التى تقول:

«فى مدينة «أ»، انتحرت ليلة السبت الماضى ربة منزلٍ تبلغ من العمر واحداً وخمسين عاماً بعد أن تناولت جرعةً زائدةً من الحبوب المنومة»، والآن، مرت ستة أسابيع منذ أن ماتت أمى، وأنا أريد أن أبدأ العمل قبل أن يتحول الاحتياج إلى الكتابة عنها، الذى شعرت به بقوةٍ يوم دفنها، إلى عجزٍ متبلِّدٍ عن الكلام. وقد كان هذا العجز هو ما استقبلت به خبر انتحارها. نعم، البدء فى العمل، لأن الاحتياج لأن أكتب شيئاً عن أمى، حتى ولو كنت أشعر به فى بعض الأحيان مفاجئاً ودون مقدمات، إلا أنه فى الوقت نفسه رغبةٌ غير محددةٍ تحتاج إلى أن أبذل كل طاقتى فى العمل حتى لا أدق على الآلة الكاتبة دائماً، وأكتب الحرف نفسه على الورقة. هذا العلاج الحركى وحده لن يفيدنى، سوف يجعلنى فقط أكثر سلبيةً وأكثر تبلداً. يمكننى أن أسافر أيضاً، ففى السفر، أثناء الرحلة، لن يثير أعصابى شرود ذهنى المضطرب وتكاسلى».

ما إن فعلت هذا حتى ظللت أقرأ الرواية حتى التهمتها فى جلسة واحدة بدون توقف، «حزن غير محتمل» للروائى النمساوى بيتر هاندكه الحاصل على جائزة نوبل ٢٠١٩، عمل فنى تصنيفه صعب، ووضعه فى إطار أدبى سابق التجهيز أمر يكاد يكون مستحيلاً، فهو ليس رواية بالمعنى المفهوم الذى تعودنا عليه، لكنه سيرة أم الروائى نفسه كتبها هاندكه بعد انتحارها بأسابيع، لكنها ليست سيرة تقليدية ببداية ووسط ونهاية وسرد تصاعدى كلاسيكى، لكنها صراع الروائى نفسه مع اللغة التى سيكتب بها ويعبر عن مشاعره تجاه الأم نفسها وتجاه الأدب والفن عموماً، دهشة القارئ ستأتى من أنه سيكتشف أنه فى النمسا كان يوجد فقر فى مناطق الريف هناك، والأم عاشت طفولتها مع جدة فى تلك الظروف قبل الحرب العالمية الثانية، سرد هاندكه لرحلة الأم سرد بديع، والتقاطه للتفاصيل ينم عن عين ذكية وفضولية بامتياز، والده لم تتزوجه، ومن عاشت معه بعد ذلك ليس والده، حكاياته عن زوج الأم السكير وعلاقته المرتبكة بالأم من أقوى مناطق الكتاب، تحولات الأم من الخجل والتشرنق، إلى السخرية والاقتحام، بدايات تدهور الذاكرة وشعور الوحدة فى النصف الثانى من الكتاب من أروع ما قرأت عن خرف الشيخوخة، ثم انتحارها فى النهاية بمائة قرص منوم، ثم وصفه المباغت المدهش الصادم لذلك الانتحار بأنه فخور به، يجعلك كقارئ تصنع المسافة التى كان يريدها الكاتب ونجح فيها، مسافة الحياد بينك وبين العمل برغم شحنة العاطفة الموجودة فى القصة أو السيرة، كتاب لا بد من قراءته على عدة مستويات، نص بديع لكاتب مدهش، الكتاب صادر عن دار العربى للنشر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حزن غير محتمل حزن غير محتمل



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية

GMT 17:34 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon