تحية خاصة إلى الأستاذة منى الشايب ابنة المترجم المبدع الراحل طلعت الشايب، وأدعو الجميع للاشتراك فى الصفحة التى أنشأتها على الفيس بوك تخليداً لذكراه، وهذا هو الرابط
طلعت الشايب لمن لا يعرفه ليس مجرد مترجم يفتح القاموس وينقش فوتوكوبى، إنما هو يضيف من إبداعه الخاص، هو المبدع الثانى، ينفخ فى الكتاب أو القصيدة من نفحاته كمثقف عربى ما يضفى على الكتاب غنى وثراء وحيوية، من أجمل الترجمات الشعرية التى قرأتها ليس لطلعت الشايب ولكن لأى مترجم عربى آخر، كتاب صغير الحجم اسمه «أصوات الضمير» أتمنى أن يصدر فى مكتبة الأسرة مرة ثانية بعد نفاد طبعته، سأقدم لكم نموذجاً عملياً، كيف تكون الترجمة عذبة تحتفظ بروح النص الأصلى فى نفس الوقت الذى تعكس فيه ذائقة القارئ العربى الغنائية، اقرأوا تلك الموسيقى المكتوبة التى عزفها طلعت الشايب:
- «فى الهند يقولون إن الثعبان كان أول ما ظهر من مخلوقات الله.. ويقول سكان الجبال: لا، إن الله أول ما خلق خلق النسر المُحَلِّق. لست مع الهنود، ولا مع سكان الجبال، فأنا أعتقد أن أول ما خلق الله، خلق البشر. ولكن البعض ارتفع وحلّق مع النسور، والبعض، هبط وزحف مع الثعابين».
- اقرأوا كيف ترجم ناظم حكمت وهو يقول:
إذا كان نصف قلبى هنا أيها الطبيب
فنصفه الآخر هناك فى الصين
مع الجيش الزاحف نحو النهر الأصفر
وكل صباح، عند شروق الشمس
يعدمون قلبى فى اليونان
وفى كل ليلة أيها الطبيب
عندما ينام السجناء، ويغادر الكلّ المستشفى
يطير قلبى
ليحطَّ على منزل مهدّم فى إسطنبول
وبعد عشر سنوات
ليس لدىّ ما أقدّمه لشعبى الفقير
سوى هذه التفّاحة
تفّاحة واحدة حمراء، هى قلبى
هذا هو سبب الذبحة الصدرية أيها الطبيب
ليس النيكوتين، وليس السجن
وليس تصلُب الشرايين
فى الليل، أحدّق عبر القضبان
ورغم الثقل الذى يطبق على صدرى
ما زال ينبض
مع النجوم البعيدة.. البعيدة!
- اقرأوا كيف تعرف القارئ المصرى من خلال «الشايب» على شعراء كانوا مجهولين بالنسبة إليه، مثل شيركو بيكه الذى كتب «فى ورشة أحد الحدادين انتفضت مجموعة من القضبان المفتولة، قامت وهدَّدت وسلَّطت غضبها على نار الحداد عندما عرفت أنهم يريدون أن يعيدوا تشكيلها من نافذة لمكتبة عامة لتصبح بوابة سجن، يغلقونها على قمر شعر أسير».
- حتى نيبال ذهب «الشايب» لينقب عن شعرائها مثل شيركان الذى ترجم له: «هذه بلاد الضجيج والشائعات حيث الصُم الذين يستخدمون السماعات هم المحكَّمون فى مسابقات الموسيقى، والذين تمتلئ أرواحهم بالحجارة هم نقاد الشعر حيث تفوز فى السباق.. الأرجل الخشبية وحراب الدفاع فى أيدٍ مجبورة بالضماد، حيث الأرواح فى السلال ومحملة فوق العربات تُعرض للبيع فى الطرقات وأمام الأبواب، حيث القادة هم الذين يتاجرون فى الأرواح مثل الأسهم فى البورصة، وحيث الذين يقودون الشباب هم أصحاب الوجوه المجعدة مثل ألواح السقف، وحيث البذور التى تضاعف الإنتاج معروضة فى المعارض الزراعية المملوءة بأخبار القحط والمجاعة»، ويختتم الشاعر قصيدته بقوله: «أيها الرفاق.. يا شعراء هذه الأرض الذين يغنون أغنيات نهضة الوطن ويا قادة شعبنا المحترمين.. قولوا عنى: مفترٍ خائنٌ إن شئتم ولكن هذه البلاد بلادى كما هى بلادكم سيقف كوخى على قطعة من أرضها وستُحرق جثتى بالقرب من أحد أنهارها لا بد أن أقول وهذا الإحساس يملأنى بالجسارة.. إنها بلاد الضجيج والشائعات احفروا عميقاً وتحت كل بيت ستجدون شائعة مكدسة.. إنها بلاد جلبة وثرثرة.. وطن تغذّيه الشائعات.. وطن يقف على الضجيج!».