بقلم: خالد منتصر
بقدر سعادتى بالأسماء التى كرمها محافظ بورسعيد، بقدر حزنى على عدم تكريم اسم د. فؤاد زكريا ابن بورسعيد، عظيم جداً أن نكرم الكاتبة سكينة فؤاد واللواء سمير فرج والمخرج الكبير سمير العصفورى والمثقفة والسياسية المتألقة فايزة أبوالنجا واسم الفنان محمود ياسين وغيرهم، ولكن من المؤلم أن ننسى الفيلسوف العظيم د. فؤاد زكريا حياً وميتاً، فقد عانى فى سنواته الأخيرة من إهمال إعلامى شديد، حتى إن الكثيرين حسبوه قد رحل عن الدنيا وهو ما زال حياً، لذلك أناشد محافظ بورسعيد تكريم اسم هذا الرجل العظيم الذى علمنا فضيلة السؤال، وألا نصدق أى شىء إلا بعد الفحص والتمحيص والتشكك، وأن الحقيقة لها وجوه كثيرة، وهذه الدروس لو علمنا هى دروس فى منتهى الأهمية، وهى مفاتيح تقدم الأمم، د. فؤاد زكريا من أبناء الجيل الذى تفتح وعيه فى مناخ المد الوطنى وأفكار التنوير، فى كلية الآداب عرف زكى نجيب محمود وعبدالرحمن بدوى وغيرهما من عمالقة الفلسفة، قبل كلية الآداب كان قد تعرف على فكر طه حسين وأحمد لطفى السيد وسلامة موسى وغيرهم، هذا هو وعى ذلك الجيل الذهبى، لكن فؤاد زكريا كانت نقطة تميزه عن الكثيرين من أبناء جيله، عدم الخضوع للتشكيل الأيديولوجى الفج المباشر، كان إمامه هو العقل والتفكير الحر، حاول الكثيرون تدجينه سياسياً ليمشى فى الركب وينضم للقطيع، برغم أنه ترقى فى الكلية ورأس تحرير مجلة ثقافية مهمة، فإنه ترك كل هذه النجومية عندما وجد حصاراً وتربصاً، وسافر إلى الكويت، كان من الممكن أن يسافر ويكتفى فقط بقبض المرتب نتيجة تدريس الفلسفة كأستاذ أكاديمى، لكن جذوة التنوير بداخله ظلت مشتعلة، وأصر على إنشاء واحد من أكبر المشاريع الثقافية التى شكلت ثقافة ووعى أجيال على امتداد العالم العربى كله، أشرف على سلسلة عالم المعرفة التى لا يخلو منها بيت عربى، فلا بد أن تجد ولو حتى كتاباً منها على رفوف المكتبة، فؤاد زكريا كان يكتب الفلسفة بلغة الأدب، فضلاً عن أنه قدم فلاسفة مهمين وشرحهم وحللهم مثل سبينوزا، فقد كتب فى الموسيقى الكلاسيكية وكأنه محلل موسيقى، وقد حبب الكثيرين فى سماع تلك الموسيقى بفهم وعشق، أما كتابه العمدة الأشهر فهو كتابه عن التفكير العلمى، الذى أتمنى أن يتم تدريسه فى المدارس الثانوية، خاض زكريا معارك طاحنة ضد الإسلام السياسى والإرهاب الفكرى ودخل مناظرات مع رموزهم التى كانت قد سرقت الوعى المصرى، وكان من أوائل من فضحوا هذا التيار الإجرامى، وكتب كتاباً ضد التيار عندما انتقد محمد حسنين هيكل بعد صدور كتابه خريف الغضب، كان لا يحترم إلا البحث عن الحقيقة حتى ولو خالف الجميع وسبح ضد التيار، ألا يستحق هذا المفكر العظيم أن يكرم فى مدينته بورسعيد!