توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسالة من راجى عنايت

  مصر اليوم -

رسالة من راجى عنايت

بقلم: خالد منتصر

ما أصعب وما أقسى أن تكون كاتباً مستقبلياً فى مجتمع يقدس الماضى، يا لها من مهمة شبه مستحيلة أن تعيش كراهب فى محراب المستقبل ومعظم مَن حولك محنطون فى توابيت ما قبل القرون الوسطى، هذه كانت صعوبة مهمة الكاتب العظيم الراحل راجى عنايت، الذى كان ينظر حوله فيجد أناساً عيونهم فى القفا، ينظرون إلى الخلف دائماً ويظنون أنهم يتقدمون فى سيرهم، ظل يصرخ طيلة حياته: «راهِنوا على المستقبل وناضِلوا من أجله»، لكن هل أيقظت صيحة الكاتب المستقبلى مَن يقدسون ساكنى المقابر ويستفتونهم فى كل شئون حياتهم؟! كان هذا هو السؤال المؤرق.

منذ عشر سنوات استقبلت رسالة من هذا الرجل العظيم المعلم، ونشرت بعضاً منها لأنه كان يناقش قضية التعليم وكيف أنه مفتاح حل مشكلات مصر، نشرتها تحت عنوان «راجى عنايت يدق ناقوس الخطر فاسمعوه»، كتبت: لن يحدث تقدم فى مصر بدون إصلاح ثورى فى نظام التعليم، وكل ما يحدث من بناء مدارس جديدة أو تغيير مناهج أو طلاء جدران فصول أو حتى تكديس ألف كمبيوتر فى كل مدرسة... إلخ، كل هذا لن يغير التعليم المصرى ولن يخلق إلا نمطاً ببغائياً من طلاب وتلاميذ غير قادرين على الاندماج فى عصر المعلومات الذى لا ينفعه تعليم الكتاتيب وألفية ابن مالك وحقن التلقين والملخصات والدروس الخصوصية، أرسل لى أستاذى ومعلمى راجى عنايت، الذى لم أقابله وجهاً لوجه، بل قابلته على الورق وتعلمت منه من خلال كتاباته المدهشة المستفزة لكسل العقل المصرى المزمن، ما أرسله راجى عنايت ليس مجرد رسالة عادية ولكنه مشروع متكامل ورؤية فكرية متماسكة لإنقاذ التعليم، وأعتقد، من خلال وجهة نظرى المتواضعة، أنها من أهم الكتابات التى تناولت التعليم المصرى من خلال فلسفة متكاملة وخطوط عامة ورؤية ثاقبة متعمقة بدون الغرق فى تفاصيل تافهة وسطحية، إنه لم يناقش تغيير بعض النغمات لتجميل اللحن، بل طالب بتغيير القيثارة نفسها.

وجهة نظر الأستاذ راجى عنايت أن تعليمنا لم يتجاوز مرحلة المجتمع الصناعى النمطى القديم ولم يدخل بعد عصر المعلومات، وقد لخّص صفات تعليم عصر المعلومات فى أنه تعليم يساعد على التفرّد، ويناهض القولبة، ومحاولة جعل الأفراد آحاداً متراصة متشابهة، هو تعليم خالق للمعرفة، يحض على التفكير والابتكار، ويحارب التبعية النمطية والتلقين، تعليم يستفيد من دخول الأجيال إلى كل منابع المعلومات والمعارف، بلا قيود أو وصاية، تعليم يناهض كل ما هو جماهيرى، من رواسب نظم عصر الصناعة، ويحترم الفروق بين الأفراد، تعليم لا يضع قيداً على العقيدة، ويحترم التنوّع الشديد الذى استحدثه تدفّق المعلومات والمعارف فى عقائد البشر وتوجّهاتهم، ويحضّ الفرد على الإيمان بأن اختلافه عن الآخرين هو مصدر ثراء له وللآخرين، كل ما سبق يجبرنا على أن نغير نمط تعليمنا من التلقين إلى الابتكار، فالكمبيوتر أحال قدراتنا الروتينية على المعاش فلم يبقَ لنا إلا الإبداع والابتكار، ولا بد أن نتحول إلى التعليم المفتوح عبر شبكات المعرفة المختلفة وننهى احتكار المدرسة للتعليم، وننتقل من التعليم النمطى الذى يعتمد على التقسيم العمرى إلى التعليم الذى يحترم القدرات الخاصة المختلفة لكل فرد، ولا بد أن نتبنى مفهوم التعليم مدى الحياة ونعتبر أن الشهادة مجرد بداية لتخريج مشروع باحث.

راجى عنايت يدق ناقوس الخطر، فمن خلال هذا النظام سنُخرج جيشاً من مدمنى البطالة الفاقدين للعقل الناقد المبتكر، سنزحف إلى الخلف أكثر وأكثر، استمعوا إلى راجى عنايت الذى لو كنت وزيراً للإعلام لخصصت له حلقة أسبوعية ليشرح لنا خريطة إنقاذ العقل المصرى بدلاً من خفافيش ودعاة الظلام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة من راجى عنايت رسالة من راجى عنايت



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon