توقيت القاهرة المحلي 08:36:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المترجم العين الثالثة والخائن النبيل

  مصر اليوم -

المترجم العين الثالثة والخائن النبيل

بقلم : خالد منتصر

اندهشت عندما رأيت كل تلك الكلمات التى كتبت فى رثاء المترجم الفلسطينى الراحل صالح علمانى، صاحب ترجمات أكثر من مائة كتاب من الأدب الإسبانى، وبالأخص أدب أمريكا اللاتينية.. «علمانى» الذى فتح لنا كقراء أعظم نافذة على أجمل مدارس كتابة الرواية فى العالم، تنفسنا معه أجواء الواقعية السحرية التى تحمل طزاجة وبكارة وشراسة وتنوع ووحشية وحسية وثراء غابات أمريكا اللاتينية، وإذا كان القول الشائع بأن الترجمة خيانة قد ترسخ فى الوجدان، فإننى أعتبر المترجم أعظم الخونة، والخائن النبيل، الخائن الذى لا بد من منحه وساماً وتكريمه بالنياشين!!

لولا صالح علمانى ما كنا قد لمسنا وتعرفنا على هذا السحر الذى أمسك بتلابيب روحى أنا شخصياً، لدرجة أننى قد وصلت إلى قناعة بأن من لم يقرأ أدب أمريكا اللاتينية فهو قد فقد نصف مساحة الإبداع العالمى، هم وحوش كتابة روائية بامتياز، وقد سبقنا صالح علمانى جميعاً لنداهة هذا السحر اللاتينى، عندما ترك كلية الطب وذهب ليتعلم الإسبانية ويتخصص فيها ويتقنها برغم تعدد لهجاتها، سحره الشاعر بابلو نيرودا فى البداية، ثم الأدب الكوبى، وتلاه بيرو وكولومبيا... إلخ، عرفنا ماركيز من خلاله، كان عيننا الثالثة وفص مخنا المضاف الذى أدركنا من خلاله كم هو جميل وثرى هذا النوع من الإبداع الذى يأتى من تلك القارة البعيدة المنهكة بالصراعات والحروب والانقلابات، يقول «علمانى» إن المترجم ليس خائناً بل شريك للمؤلف، وكان يروى باستمرار كيف أنه سافر فى العام 1970 إلى برشلونة لدراسة الطب ثم انتقل لدراسة الصحافة، فصمد سنة واحدة فقط، عمل بعدها فى الميناء واختلط بعالم القاع كأى متشرد. وبينما كان يتسكع فى أحد مقاهى برشلونة ذات مساء، قابل صديقاً كان يحمل كتاباً، فنصحه بقراءته. كانت الطبعة الأولى من «مائة عام من العزلة» لجابرييل جارسيا ماركيز. يقول «علمانى»: «عندما بدأت قراءتها، أصبت بصدمة. لغة عجائبية شدتنى بعنف إلى صفحاتها. قررت أن أترجمها إلى العربية. وبالفعل ترجمت فصلين ثم أهملتها». ويضيف: «عندما عدت إلى دمشق نسيت الرواية فى غمرة انشغالاتى. لكن ماركيز ظل يشدنى، فترجمت قصصاً قصيرة له، ونشرتها فى الصحف المحلية. ثم ترجمت «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» (1979). لفت الكتاب انتباه الناقد حسام الخطيب، فكتب أن شاباً فلسطينياً يترجم أدباً مجهولاً لقراء العربية. هذه الملاحظة قادتنى إلى احتراف مهنة الترجمة. قلت لنفسى: أن تكون مترجماً مُهماً أفضل من أن تكون روائياً سيئاً. هكذا مزقت مخطوط روايتى الأولى من دون ندم، وانخرطت فى ترجمة روايات الآخرين».

إخلاص صالح علمانى يذكرنى بإخلاص سامى الدروبى. والمدهش أن صالح علمانى عاش فى حمص وهى نفس المدينة التى ولد بها الدروبى، وإذا كان علمانى قد فتح عيوننا على حرارة اللاتينيين، فقد كسر الدروبى الجليد الروسى، هذا الحاجز بين المثقف العربى وديستوفيسكى وتولستوى وغيرهم... إلخ، لكن علمانى ظل راهباً فى محراب الترجمة فقط حتى وظيفته كانت لها علاقة بالترجمة، أما الدروبى فقد دخل مجال السياسة والسلك الدبلوماسى ووصل إلى أعلى المناصب.

لكن تظل الترجمة هى الفريضة العربية الغائبة، ونظل لم نوفّ حق المترجم العربى بعد، الترجمة إبداع ثانٍ، الترجمة تأليف على تأليف، وترجمة جوجل الباردة الفورية لن تقضى على المترجم المحترف الذى يحس الجملة وثراءها ولا يترجم مثل الكمبيوتر بلا روح.

المجد للمترجم الذى قنع ورضى بمكانه خلف الكاميرا لا فى بؤرة الضوء، ولروح علمانى والدروبى الرحمة والحب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المترجم العين الثالثة والخائن النبيل المترجم العين الثالثة والخائن النبيل



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon