توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أطفال ينتحرون بدون حوت أزرق

  مصر اليوم -

أطفال ينتحرون بدون حوت أزرق

بقلم - خالد منتصر

ليس الحوت الأزرق هو المتهم الرئيسى، ولكنه الاكتئاب الأسود الذى نخدع أنفسنا ونقول معقول الأطفال كمان اللى لسه ما طلعوش من البيضة بيكتئبوا وينتحروا كمان ؟؟، نعم يكتئبون وينتحرون، وأنتم لا تعرفون، لأنكم مصرون على التعامل معهم بمنطق الدمى والعرائس الخشبية الماريونيت، وليس بمنطق الإنسانية، كيف تعرف أن طفلك مكتئب حتى لو لم يلمس لعبة الحوت الأزرق؟!، أعراض اكتئاب الأطفال منها ما يشتركون فيه مع الكبار، ومنها ما ينفردون به، فالمزاج حزين ويائس، ورأيهم فى ذواتهم سيئ ويحمل قدراً كبيراً من لوم الذات، ويتصفون بالتهيج والتوتر وأحياناً العدوانية، نومهم مضطرب ومسيرتهم الدراسية غير مستقرة، أما علاقاتهم الاجتماعية فى محيط الأسرة والمدرسة فهى مفككة وفقيرة، وفى أحيان كثيرة يعانون من اضطرابات جسمانية وفقدان لطاقتهم المعهودة، وتغيرات غير طبيعية فى الشهية والوزن.

تغيرات المزاج عند الطفل المكتئب لا بد لها من أن تثير الانتباه، فهو دائماً حزين ووحيد، لا يسعد بأى هدية أو تقدير أو نجاح، فاقد الأمل والثقة، ومن السهل استثارته وبكاؤه بل وصراخه، فى منتهى الحساسية ومتقلب المزاج إلى حد مزعج، ومن الصعب بل والمستحيل إرضاؤه، وهو متضخم الإحساس بالذنب، وكأن ضميره فوق جلده، والمدهش والخطير فى الأمر أن 35% من هؤلاء الأطفال يتمنون الموت، و15% منهم يخططون للانتحار، وينجح 5% منهم فى تنفيذ خطتهم اللعينة والتخلص من حياتهم!.

تمثل اضطرابات النوم علامة سهلة وبسيطة فى إمكانية القبض على شبح الاكتئاب متلبساً، وهى تظهر فى صور متعددة، فمنها اضطراب الدخول فى النوم بصعوبة، وهو ما يطلقون عليه INITIAL INSOMNIA، أو النوم المضطرب المتقطع INTERVAL INSOMNIA، أو النوع الأخير، وهو الذى يستيقظ فيه الطفل مبكراً جداً ويعده الأطباء أخطر الأنواع.

تأتى الشهادة المدرسية ومتابعة الطفل أثناء الدراسة كجرس إنذار مبكر يجذب انتباه الأهل بأن الاكتئاب يدق على الأبواب بقوة وبعنف، وأنه سيتمكن من عنق وروح الطفل إذا لم نسارع بحمايته ودعمه ضد هذا اللعين، فعلينا أن نستمع جيداً لشكاوى المدرسين، مثل أحلام اليقظة وعدم التركيز فى الفصل، وعدم الاكتراث بالواجب اليومى، وهبوط المنحنى الدراسى بشكل مطرد، وفقدان الاهتمام بالنشاطات المدرسية داخل وخارج الفصل، وأخيراً يحاط كل هذا بسياج من الوحدة وعدم التفاعل مع الأصدقاء، وتفضيل العزلة، والتفنن فى بناء أبراجه العاجية الخاصة، وحصونه وقلاعه غير القابلة للاقتحام.

أما الشكاوى الجسدية، التى فى معظم الأحيان يخطئ فى تشخيصها الأطباء، ويلبسونها ثياب أمراض الأطفال العادية ويحاولون علاجها بمخفضات الحرارة ومسكنات الألم ومحاليل الجفاف، مع أن الألم نفسى والجفاف عاطفى والروح هى التى تحتاج إلى مسكنات، هذه الأعراض تغطى مساحة كبيرة من أجهزة الجسم، بداية من الرأس حتى أخمص القدم، وكلها تنتمى إلى ما يسمى الأمراض النفسجسمية، مثل الصداع وتقلصات المعدة وآلام المفاصل واضطرابات النظر والتى لا يمكن إرجاعها إلى سبب جسمى واضح.

بداية العلاج هى الاقتناع أولاً بأنه يوجد ما يسمى باكتئاب الطفل، وثانياً بأهمية علاجه، وما زالت أدوية الاكتئاب مثار جدل، هل نعطى الطفل مضادات الاكتئاب؟ ومتى؟ وبأى جرعة ؟وحتى أى سن؟؟.. إلخ.

وكل مدرسة علمية تضع محاذير وتقدم مبررات، ولكن الجميع فى النهاية يتفق على أن الأطفال ملائكة، ولكن أجنحتهم أحياناً لا تقوى على الطيران والتحليق، ونورانيتهم كثيراً ما تجعلهم بؤرة اهتمام مكثف نتفنن فى قتله وإظلامه، أما براءتهم فهى كثيراً ما تفضح زيفنا نحن الكبار، ولذلك فنحن ننقل لهم عدوى الاكتئاب حتى نطمئن على أنهم أصبحوا مثلنا، زحفت عليهم تجاعيد شيخوخة الروح والقلب، وترهلات العجز عن العطاء والبهجة والفرح.

نقلا عن الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أطفال ينتحرون بدون حوت أزرق أطفال ينتحرون بدون حوت أزرق



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon