بقلم: خالد منتصر
جمعتنى جلسة حوار مع مجموعة أصدقاء وكانت موجودة بالصدفة زوجة صديق تعانى من أنها قد وُلدت بعيب خلقى، وُلدت بدون رحم، هى حالة نادرة، واحدة من كل خمسة آلاف لكنها موجودة، الزوجة مدمرة نفسياً فهى ترغب فى الإنجاب، وتقترح على الزوج فكرة الأم الحاضنة واستئجار الرحم حتى ولو خارج مصر، الزوج يرفض بشدة، ويقول إن استئجار رحم الأم الحاضنة هو حرام دينياً، لأن فيه خلطاً للأنساب، الزوجة كانت تبكى بحرقة، المدهش أن الزوج طبيب ويردد تلك العبارة، سألته سؤالاً محدداً بعيداً عن الجدل الدينى وبعيداً عن عبارة خلط الأنساب الغامضة علمياً، هل الأم الحاضنة ستؤثر على الكود الجينى؟، هل رحم الأم الحاضنة سيغير الجينات، المكونات، الخريطة الوراثية؟، السؤال مهم لأن فتوى المنع والتحريم تقوم على هذا المفهوم، ظل الزوج يراوغ ويقول ممكن هذه السيدة تنقل للجنين فيروسات أو تأخذ أدوية تشوهه، فكان ردى هو أن نفس الشىء من الممكن أن يحدث مع الأم الأصلية، ظل خائفاً من أن يعلن الحقيقة التى يخاف معظم من يناقش القضية أن يعلنها وهى أن الأم الحاضنة من المستحيل أن تؤثر أو تغير فى الجينات، هذا كلام علمى بديهى لا لبس فيه، لكن للأسف عندنا من يضحى بمراجع الطب وبالعلم نفسه لينافق المزاج السلفى للمجتمع ويغازله على حساب العلم وخوفاً من بطش السلطة الدينية، أعرف أننى أخوض فى حقل ألغام، لكن لكى تشق طريقاً وسط الجبال تحتاج أحياناً إلى ديناميت، والحقائق العلمية هى الديناميت الذى يشق طريق الحق وسط جبال وركام الخرافات، لكن السؤال هل تلك الحالة النادرة فقط هى التى تحتاج إلى استئجار الرحم؟، بالطبع لا، هناك من تم استئصال رحمها بسبب أورام خبيثة أو نزيف حاد، وهناك من تعانى من إجهاض متكرر لأسباب غامضة، أو وفاة الجنين قبل الاكتمال نتيجة مرض مناعى شديد.. إلخ، إذن هناك حالات بائسة تعيش اكتئاباً حاداً نتيجة الحرمان من الأمومة، ويجب أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة فى تلك القضايا للعلم وللطب المبنى على الدليل وللعلماء الحقيقيين، الذين يعرفون أن الطب موجود فى المراجع والمجلات العلمية المحكمة، وليس فى كتب وفتاوى رجال الدين، ببساطة البويضة من الأم الأصلية والحيوان المنوى من الزوج الأب الأصلى، وبمجرد الانقسام صار هذا الكيان الخليط الكوكتيل اسمه النطفة أو الزيجوت الذى يحمل كل الخطة الوراثية والكتالوج الجينى كاملاً منذ البداية، وشفرته ذاتية لا ولن تتلقى تعليمات إضافية، وفور إتمام التلقيح تفرز تلك النطفة حاجزاً كيميائياً مانعاً على سطحها الخارجى، ولن ينفذ حيوان منوى آخر إليها إطلاقاً، وذلك حتى لا تستمعوا إلى الخبل الذى يقول إن الحيوان المنوى لزوج الأم الحاضنة سيخترق الزيجوت ويشارك فى الطبخة ويساهم فى التشكيل!!، أما عن تفاصيل العملية لمن يجهل تفاصيلها، فتلك النطفة أو الزيجوت يزرع فى بطانة رحم الأم الحاضنة التى تم تجهيزها بواسطة الهرمونات، وفور نجاح عملية الزرع يبدأ الزيجوت أو مشروع الجنين فى الحصول على الغذاء والأوكسجين لمدة تسعة أشهر، يكون محمياً فيها من تأثير وخطر العوامل الخارجية، أنا أعتبر أن ما تفعله الأم الحاضنة منتهى الخير، وأنها على العكس ستنال ثواباً كبيراً، لأنها رحمت إنسانة من نار وجهنم عذاب مزمن لا حل له حتى بالتلقيح المجهرى، إنسانة مقهورة بلاذنب جنته إلا ذنب أن البعض قد فهم الدين على أنه مرادف للقسوة، مدت إليها إنسانة أخرى يد العون لإنقاذها، ما هو الجرم وما هى الكارثة فى ذلك الفعل، حتى نشوه ونصف من تفعله بأنها زانية؟!، المناقشة ما زالت مفتوحة، وملف القضية لم يغلق بعد، ومستعد للحوار ولكن بدون فزاعة التكفير واحتكار الجنة.