بقلم: خالد منتصر
فى ذكرى رحيل يوسف شاهين سألت نفسى سؤالاً افتراضياً، هل من الممكن أن تنجب مصر يوسف شاهين آخر؟
السؤال بطريقة أخرى، هل يوسف شاهين مجرد مخرج موهوب صنعته نوعية التعليم الأمريكى الجيد.. أم هو نتاج خلطة ظروف سحرية اجتمعت فى لحظة فصنعت يوسفات شاهينيات كثيرة فى كل مجالات الإبداع؟، لماذا يوسف شاهين بالذات هو الذى طرحت معه هذا السؤال بالرغم من وجود مواهب كثيرة؟
ليست ذكرى الرحيل فقط، فيوسف شاهين يمثل لحظة فارقة وفريدة، و«كوكتيل إسكندرانى» لو ألقيت نظرة على الإسكندرية اليوم ستجد أن هذا الكوكتيل قد اندثر وضاع فى زحام تشوهات الإسكندرية التى حدثت مع زحف السنين وفيروسات تتار الفاشية الدينية وتدنى الذوق الجمالى الظاهر فى عشوائيات الارتفاعات المخالفة وفوضى التعدى على كل ما هو جميل والتصالح مع كل ما هو قبيح.. ما هذه الخلطة التى أنتجت وصنعت يوسف شاهين؟، وهل من الممكن تكرارها؟، أو هى موجودة الآن بالفعل؟
يوسف ابن الإسكندرية الكوزموبوليتان، اليونانى والإيطالى والفرنسى والقبرصى واليهودى.... إلخ، مدينة جاذبة لا طاردة، تصهر فى سبيكة متفردة ولا تقهر فى مسخ مشوه، تصهر بشراً ولا تضمر شراً، شاطئها المفتوح الممتد بامتداد الأفق علم أهلها أن يكونوا حضناً دافئاً للجميع، مدينة تطبطب لا تكيل اللكمات، تمشى إليها وهى فاتحة ذراعيها لا تدفعك بالركلات، يوسف ابن مدرسة فيكتوريا التى انفتحت على العالم وكانت أمماً متحدة مصغرة، هو ابن الطبقة المتوسطة زميل لأبناء ملوك وأرستقراط من الأردن وإسبانيا والسعودية، يوسف ابن ظرف وزمان ومكان كانت اللغات الأجنبية فيه وسيلة تواصل لا تناحر، وكان التحدث بلغة أجنبية بإتقان وسلاسة ليس دليلاً على انحراف دينى أو غزو ثقافى، يوسف ابن تعليم كان يمنح النشاط المسرحى مساحة أوسع وأرحب بحيث تتفجر المواهب، ويكون الاهتمام بمسرحية هاملت مساوياً للاهتمام بنظرية فيثاغورس، يوسف ابن فترة كان السفر فيها تحليقاً للأحلام لا لجوءاً للأوهام، سافر وهو يحلم بالمسرح والسينما، سافر ليتعلم ويتثقف، لم يكن خائفاً ولا متربصاً بدولة الحلم، ولم تكن الدولة التى استقبلته خائفة أن يفجرها أو يدمرها، يوسف ابن ثقافة لم تكن تسأل عن الديانة ولم تكن تحرم تهنئته بالعيد، يوسف ابن ثقافة احترمت غرامه وافتتانه بالرقص والغناء، يوسف ابن ثقافة كانت تمنح ابن العشرينات فرصة إخراج فيلم روائى طويل بطولة نجوم مصر، يوسف ابن زمن سمح له بالاختلاف حتى إن أطلق عليه البعض جنوناً ومجوناً، كان عاشقاً لأم كلثوم وأغنيتها «وعايزنا نرجع زى زمان، قول للزمان ارجع يا زمان»، فهل سيعود ذلك الزمان بتلك التفاصيل والمعطيات والمعايير ليصنع لنا يوسف شاهين مرة أخرى؟!