بقلم: خالد منتصر
«رعب أكبر من هذا سوف يجىء لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالى جبل الصمت»، تذكرت تلك الجملة المسرحية الخالدة لصلاح عبدالصبور بعد أن شاهدت الحلقات الوثائقية الرائعة والصادمة والمدهشة التى قدمتها قناة نتفليكس، الحلقات عنوانها un natural selection، استغرق تصويرها ثلاث سنوات، وهى تفتح نافذة مبشرة ومرعبة فى نفس الوقت، فقد بدأ الإنسان يتحكم فى الطبيعة، وفى مسار التطور الداروينى الذى كان يتم على مهل وينتصر للأكثر ملاءمة لظروف الحياة، فتنتقل الجينات وتطبخ الصفات عبر ملايين السنين، لكن الجديد الذى يعرضه هذا الفيلم ويفتح قمقم مصباحه هو التطور المقصود والمدبر والمتعمد بعد فك شفرة «الجينوم» واكتشاف تقنية «كريسبر» السحرية، فى بداية القرن الحادى والعشرين، أعلن الرئيس الأمريكى «كلينتون» الانتهاء من مشروع الجينوم الذى وصفه الرئيس بكتاب الحياة، وهو بالفعل كتاب الحياة الذى تتكون أبجديته من أربعة حروف، أما «كريسبر» فهو تقنية المقص السحرى، قص ولصق الجينات، الاستغناء عن الجين المعطوب ولصق الجين السليم، إعادة تصميم الباترون الإنسانى، لكن أين الرعب الذى كشف عنه الفيلم الغطاء؟، والسؤال الأخطر أين موقعنا نحن الدول الفقيرة التى تتفرج من المدرجات على ملعب البحث العلمى بفرقه البرشلونية والريال مدريدية؟!، الرعب هو أن تلك التقنيات والأدوية الجينية الجديدة ستظل احتكاراً للدول الغنية بل الشريحة الأكثر ثراء داخل تلك الدول، فالحلقات تتحدث عن صراخ وشكاوى الأمريكان أنفسهم من ارتفاع تكلفة تلك الأدوية، فهناك دواء تكلفته ٨٠٠ ألف دولار، والآخر تكلفته نصف مليون دولار.. إلخ، كيف ستحل تلك المعضلة؟، نحن أمام مرحلة فاصلة ستكتب نهاية عصر صيدليات الأرفف والبرطمانات وشرائط البرشام، نحن مقبلون على زمن ورش الصيانة الآدمية بالقص واللصق الجينى، الفيلم يتابع بشكل متوازٍ قصص مرضى من الذين نصنّفهم كحالات ميئوس منها تنتظر الموت، ومنها ما ينتظر العمى مثل الطفل المرشح لفقد البصر كلياً بمرض وراثى أصاب شبكيته التى هى خلايا عصبية مستحيل تجدد الميت منها، الحالات الأخرى منها حالة إيدز، ومنها حالة ضمور عضلات بسبب خلل فى النخاع الشوكى، شركات أدوية قدمت الحل، لكن الحل بتكلفة مرعبة، والمبرر هو ارتفاع تكلفة الأبحاث العلمية نفسها، وهى بالفعل تكاليف بالمليارات، لكن أيضاً هامش الربح كبير ومن الممكن ضغطه وتخفيضه، الفيلم يفتح الكاميرا على قضية أخرى غريبة على وعينا وتخيلنا، وهى قضية القراصنة أو الهاكرز البيولوجيين!!، وهم الذين يواجهون هذا الاحتكار من ديناصورات صناعة الدواء، ويقررون إجراء أبحاثهم وتطبيق تقنية كريسبر فى المنازل والجراجات والمطابخ، منهم من يحقن عضلاته بجين معين يضخّم ويقوّى العضلات، ومنهم من يحول كلابه لكلاب مضيئة بالهندسة الجينية، ومنهم من يضرب مرض الإيدز بتركيبة منزلية جينية!!، خيال علمى يتحول إلى حقيقة وواقع، تلعب فى الجينات وتقص وتلصق بسهولة وكأنك تجهز ساندوتش شاورما!، التوقعات مخيفة وتحمل فى رحمها سحقاً ودهساً وفرماً للغلابة، فهناك شعوب ستتحول إلى سوبرمانات، ستحدد درجة ذكائها وقامة رجالها ولون عيون أطفالها وجمال نسائها بالهندسة الجينية!، هناك شعوب ستصبح أمراضها الخطيرة فى متاحف الأنتيكات، وشعوب أخرى ستزداد أمراضها وتتفاقم آلامها بسبب أنها قد سلمت عقولها للخرافة وقفزت من قارب العلم للمجهول، ألم أقل لكم فى البداية: «رعب أكبر من هذا سوف يجىء»!!.