بقلم: خالد منتصر
كل سنة وأنتم طيبون، أعلن المفتى أن غدا الأحد هو بداية عيد الفطر، وقد أصرَّ فى بيانه على أن يطمئن الناس أن الرؤية تمت بالعين المجردة، وأنها هى الرؤية الشرعية!، وقد كتبت وتساءلت مراراً وتكراراً: ما فائدة أقسام الفلك فى كليات العلوم؟، ما فائدة هيئة الأرصاد والمركز القومى للبحوث؟، الحسابات الفلكية الآن تكتشف كواكب ومجرات، بالحسابات الفلكية الدقيقة يحددون متى ستهبط سفينة على المريخ بالدقيقة والثانية!، هل تعتمدون فى تحديد مواقيت الصلاة على ما قاله القدماء؟، هل تحددون وقت الظهر الآن بأنه إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله؟، وهل نحدد وقت صلاة المغرب بأنها وقت مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَق؟!، لماذا نحترم الحسابات الفلكية فى مواقيت الصلاة ونهملها فى تحديد بدايات الشهور؟، لماذا نترك أنفسنا لشعار «بختك يابوبخيت»؟، أول كلمة فى القرآن «اقرأ»، بمعنى «تدبر وابحث وتعقل»، والله لا يمنحنا رؤية شرعية تتناقض مع أسمى ما خلقه وهو العقل، وها هو العقل قد وصل إلى علم الحسابات الفلكية التى هى لا تتناقض مع الرؤية الشرعية والتى يمكن أن تكون بديلاً مثلما جعلناها البديل فى تحديد مواقيت الصلاة، والرؤية أشمل من البصر، والمجاز الإبداعى أعم من التحديد اللفظى، وهناك الكثير من الأمثلة التى تشير إلى أن الرؤية من الممكن أن تكون بالعقل لا بالعينين، وقد كتبت من قبل كثيراً أدعو إلى احترام الحساب الفلكى حتى ننشر فضيلة احترام المنهج العلمى وصرامته ودقته، وننقل العدوى العلمية إلى الناس، قلت من قبل إن انضباطات التوقيتات والمواعيد هى سمة تحضّر وحداثة، وعدم وجود أجندة مواعيد محددة لبدايات الشهور ونهايتها للبلاد الإسلامية وتركها لعشوائية رؤية العين للهلال هى سمة جمود وعدم مرونة، إذا احتجت مثلاً حجز طائرة أو فندق أو تحديد ميعاد مؤتمر طبقاً للتقويم الهجرى وحسب الإجازات.. إلخ قبلها بمدة ستفشل نتيجة هذا الإصرار على الرؤية الشرعية، وكان قد أعجبنى تعليق الصديق د. يحيى طراف عند رؤية هلال العيد عندما قال: «إن عدم تحقّق الرؤية البصرية لهلال شوال لا ينفى وجوده فى سماء البلاد المثبت فلكياً!!. وهل عدم تحقق الرؤية البصرية للميكروبات ينفى وجودها المثبت بالميكروسكوب؟ وهل عدم رؤية الكسر فى العظام تحت اللحم والجلد بصرياً ينفى حدوثه المثبت بأشعة إكس»، إن منح الحق المطلق فى إثبات رؤية هلال العيدين وبدايات الشهور العربية لدار الإفتاء، التى بدورها لا تملك من وسائل الرصد إلا أعين أعضاء لجانها الشرعية والعلمية المجردة، ليصبح حساب الشهور أمراً دينياً، يتحدد كل شهر فى اللحظة الأخيرة، هو أمر يجب إعادة النظر فيه، فى ظل وجود وسائل رصد متقدمة، وتقويم فلكى يحدد بدقة متناهية موعد ومكان ميلاد الأهِلَّة لعشرات السنين.
إن تحديد المواقيت وبدايات الشهور هو شأن مدنى، يجب أن تتولاه الدولة، فنحن نتكلم عن أهِلَّة موجودة فى السماء بالفعل أثبتتها الحسابات الفلكية الدقيقة والتليسكوبات العملاقة، وليس ينفى وجودها أن الأبصار لا تدركها، فميلاد الأهِلَّة ليس فتوى تتصدى لها وتجتهد فيها دار الإفتاء، إذا أخطأت فلها أجر وإذا أصابت فلها أجران.