توقيت القاهرة المحلي 14:45:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نكسة ٨ يونيو

  مصر اليوم -

نكسة ٨ يونيو

بقلم: خالد منتصر

فى الثامن من يونيو عام ١٩٩٢ كان الخبر الصادم والمفجع، اغتيال فرج فودة أمام مكتبه، كانت تلك أول حادثة اغتيال لمفكر مصرى لم يكن يملك إلا قلمه يواجه به الفكر الفاشى للمتطرفين الإسلاميين، كل الاغتيالات السابقة كانت من نصيب أهل السياسة، لكن أن يواجَه القلم بالرشاش كانت تلك هى الصدمة والنكسة، نعم أطلقت عليها فى ذلك الوقت نكسة ٨ يونيو، فكما كانت هناك نكسة وهزيمة ٥ يونيو على مستوى الحرب، كانت هناك نكسة وهزيمة ٨ يونيو على مستوى الفكر، عناصر النكسة والهزيمة كانت كارثية وكثيرة، فالضحية كاتب ومفكر قاتل من أجل الدولة المدنية، وكانت قضيته هى الدفاع عن الدين الضمير أمام التدين التجارة، جوهر الدين الحب أمام مظاهر التدين الذى بات يكره الآخر، الدين الذى هو علاقة خاصة ورأسية ما بين الإنسان وربه ضد التدين السياسى الذى يستغل سذاجة البسطاء ويبتز مشاعرهم ويستخدمهم فى تحقيق مصالح عصابة أو جماعة أو تنظيم.

كانت هذه هى جريمته العظمى، كان يمثل عائقاً أمام بيزنس وبوتيكات وبازارات تجار الدين، كان يمثل شوكة فى حلوق هؤلاء، خاصة أنه نذر نفسه لتلك القضية، وكان حديثه منظماً وعذباً ورشيقاً، وكان قارئاً ممتازاً للتاريخ الإسلامى، وفوق هذا وذاك خفيف الدم وابن بلد ولديه كاريزما تكتسح ثقل ظل الإسلاميين الذين كانوا يتساقطون فى حلبة المناظرات أمامه الواحد تلو الآخر بالضربة القاضية الفنية. كان الحل الوحيد هو التخلص منه، فهو قد «لخبط» لهم الغزل الذى سيصنعون منه شبكة الصيد للقتلة الجدد الذين يجندونهم فى جماعاتهم وتنظيماتهم. عنصر نكسة آخر فى تفاصيل قصة الاغتيال، وهو أن من كتبوا بيان التكفير والتحريض وتسليم فودة إلى القتلة كانوا مشايخ أزهر، مسئولين وأساتذة وحاصلين على دكتوراهات، النكسة الأكبر أن الشيخ الغزالى عندما طُلبت شهادته فى المحكمة قال قولته الشهيرة «إن فودة يستحق القتل ولكن الخطأ أن القتلة افتأتوا على الدولة»!! انفتح باب جهنم، وصار أى فرمان من أى شيخ هو حكم ردة ومسوغ قتل ومبرر اغتيال.

عنصر نكسة آخر وهو أن القاتل لم يقرأ حرفاً لفرج فودة، وهو ما تكرر فيما بعد مع من طعن نجيب محفوظ، مما يشير إلى صناعة جيل من الروبوتات الموجهة من عرائس الماريونيت مزيفة الوعى التى تتحرك بالريموت كنترول، أما الكارثة الأكبر فقد كانت أن زعماء التنظيم الذى حرَّض على قتل فودة ومحفوظ والمحجوب، كوَّنوا حزباً سياسياً فيما بعد لم يتم حله إلا منذ أيام قليلة فى ٢٠٢٠!!! نكسة ٨ يونيو كانت فى أن هذا المفكر الذى يحارب نفس حرب الدولة دفاعاً عن كيانها، عارى الصدر إلا من الحجة وقوة المنطق، تركته الدولة حينذاك فى هجير صحراء الوحدة، يخوض المعركة الفكرية نيابة عنها، بينما ترفض الاعتراف بحزبه المستقبل، تأمر التليفزيون بألا يستضيفه وتضعه على القائمة السوداء، بل تحاربه حين نزل انتخابات دائرة شبرا، ثم تتركه بلا حراسة يقتله راكب موتوسيكل، ويتلقى الرصاص وينزف حتى يموت، فرج فودة كان بمثابة «سيزيف» بطل الأسطورة الإغريقية الذى كان يحمل الحجر حتى أعلى الجبل ثم عند القمة يتدحرج الحجر ويهبط ليبدأ الرحلة من جديد، لكن سيزيف المصرى سقط مع الحجر عند سفح الجبل، واكتفينا نحن بالفرجة حتى ميعاد الحصاد الجديد، حصاد مشتل صبار الإرهاب المر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نكسة ٨ يونيو نكسة ٨ يونيو



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

منى زكي في إطلالة فخمة بالفستان الذهبي في عرض L'Oréal

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:36 2024 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

الإعلامية مروة صبري تهاجم مها أحمد

GMT 10:27 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

هند صبري تتألق بجمبسوت أنيق باللون الأحمر

GMT 04:48 2019 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

وفاة مصمم استعراضات "فرقة رضا" المصري حسن عفيفي

GMT 22:50 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

رقم مُخيب ل جونزالو هيجواين أمام نابولي

GMT 16:22 2022 الإثنين ,19 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يعلن توقيع غرامة مالية علي أفشة وفقاً للائحة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon