بقلم: خالد منتصر
حصول الفيلم الكورى parasite «طفيلى» على أربع جوائز أوسكار، منها جائزة أفضل فيلم رئيسى وليس أفضل فيلم أجنبى كالعادة والمتوقع، وهى الجائزة المحتفى بها التى تخطف الأضواء من كل الجوائز، ليس حدثاً عادياً ولا مألوفاً ولا يمر مرور الكرام، ولابد أن تفتح وتوسع الكادر بلغة التصوير السينمائى لكى ترى المشهد أفضل وتتعرف على دلالته أكثر، لأنها ليست مجرد جائزة لفيلم ولكنها جائزة لبلد ولدولة ولوطن استطاع أن يضع نفسه بقوة على خريطة الحضارة والمنافسة كتفاً بكتف اقتصادياً ورياضياً وعلمياً مع ديناصورات العالم المتقدم.
استطاعت كوريا بالخيال وإطلاق حرية الإبداع أن تحتل تلك المكانة وتبهر العالم كل يوم بقفزة جديدة ومتفردة، حطمت كوريا كل التوقعات والتخمينات التى وضعها عتاة صناعة السينما الهوليودية، فيلم يتحدث أبطاله لغة صعبة وغريبة، الأعجب أنه فيلم كوميدى نوعاً ما ودائماً الكوميديا درجة ثانية ولا تحتل مراكز متقدمة فى الترشيحات، والفيلم ليس فيلم أكشن ولا مغامرات ولا مطاردات ولا استعراض عضلات تكنولوجية، إنما هو قصة إنسانية لصراع عائلة كورية فقيرة وعائلة كورية ثرية، لكنه الخيال الذى قال أينشتين إنه ينقص العالم، وأشار إلى أنه شفرة التقدم وليس المعرفة كما هو متداول، الخيال أهم من المعرفة، عندما شاهدت فيلماً وثائقياً عن شركة سامسونج، اندهشت عندما عرفت أن هناك قسماً خاصاً داخل الشركة للخيال، الموظف فيه يتخيل ويبدع ما لا يمكن أن تصنعه الشركة الآن، ولكنهم يثقون أن بإمكانهم صناعته غداً، يفكر فى شكل تليفزيون جديد أو إمكانية موبايل غريبة لا تخطر على بال.. إلخ، كل وظيفته أن يتأمل ويتخيل ويرسم أفكاره الجنونية على الورق، وعلى المسئولين أن يحولوا ذلك الجنون إلى حقيقة ملموسة، من الممكن أن يظل أسبوعاً لا ينجز أى فكرة، لكنه بالنسبة لهم بنك أفكار وكنز إبداع يستحق أعلى المرتبات.
باختصار من يستطيع إبداع أفضل الموبايلات والسيارات والسفن وحتى مستحضرات التجميل.. إلخ، يستطيع ببساطة كنمر آسيوى صاعد أن يبدع فيلماً يخطف الأوسكار من فم أسد متروجولدين ماير، كما ابتلعت سامسونج الكورية نوكيا الفنلندية العريقة، شعب دمرته الحرب الكورية فى بداية الخمسينات، ربع البنية التحتية دُمرت و40% من المبانى السكنية خربت، وشمل الدمار حوالى 80% من محطات توليد الكهرباء فى البلاد، 68% من المصانع و46% من شبكة السكة الحديد، حتى أصبحت كوريا الجنوبية تتسول وتعيش على المعونات الخارجية، أصبحت الآن سادس أكبر مصدر للسلع والمنتجات على مستوى العالم، كما ينتظر أن يقفز اقتصادها من المركز الحادى عشر على مستوى العالم حالياً (١.٤ تريليون دولار) إلى أن يصبح من العشرة الأوائل على العالم، صار التعليم هناك من أفضل مستويات التعليم فى العالم، ويُرصد له حوالى ربع الميزانية.
لا أخفى انبهارى بالتجربة الكورية التى أثبتت أن النهضة الاقتصادية لا يمكن أن تحدث إلا بنهضة ثقافية أولاً.