بقلم: خالد منتصر
الإبداع والابتكار والاختراع والاكتشاف كلها فروع شجرة لجذر أساسى اسمه الخيال، وعندما يُحبس الخيال فى قمقم فقه أسمنتى يريد حرّاسه وسدنته أن يظل مشلولاً متحجراً فى هذا القالب، لن نجد إبداعاً أو ابتكاراً أو اختراعاً يُذكر، فاختراع الموبايل والإنترنت والعلاج بالخلية الجذعية والسفر بسفن الفضاء.. إلخ، كل هذا خلفه عقل تعوّد على طرح كل الأسئلة بلا سقف، وراءه خيال جسور لا يخاف ولا يرتعش ولا يخشى، هذا العقل ليس عندنا، فقدناه فى أضابير تراثنا الدينى المتصلب، أو بالأصح الذى يريدونه متصلباً، سطّحه تراثنا الميمون، أصابه فقهنا وتراثنا الذى نرفض تثويره بالضمور، نحن قمنا بتوثين التراث بدلاً من تثويره، يطالبوننا بصناعة فردة الكاوتش، وينصحوننا بأن «نشوف لنا شغلانة غير التراث»، للأسف المنظومة واحدة، وهذا وذاك مرتبطان كاللحمة والسداة، كيف سيصنع الكاوتش شخص مصرى أو عربى مسلم مقتنع بأن هناك حملاً مستكناً مدته ٤ سنوات؟! عقله تقزّم وتم غسله وتزييف وعيه وقُتلت فضيلة السؤال فيه، فكانت تلك هى النتيجة الطبيعية، المسلم الذى يتم نهره إذا تساءل عن مصداقية إقامة حد الرجم على القردة الزانية، وتهديده كيف يتجرأ على الراسخين فى العلم الذين قالوا إن البخارى الذى ذكر هذا الكلام هو وحى ومقدس ويمثل ثلاثة أرباع الدين!! كيف لهذا المسلم أن يبدع حتى ولو قلم رصاص؟ كيف للمسلم المقتنع بأن الحجامة تشفى ثمانين مرضاً وأن السبع تمرات تمنع التسمم وأن غمس جناح الذبابة الشمال هو المضاد الحيوى للمرض الذى يوجد على الجناح اليمين!!.. إلخ.
أسمع الرد الجاهز الذى يتكرر كالأسطوانة المشروخة، وأعرف أن تعليقى سيخدش جرحاً نرجسياً تعلمنا أن نخفيه مئات السنين، الرد الجاهز: كان عندنا العلماء المسلمون فى الكيمياء والفيزياء والرياضيات والنبات... إلخ، يسودون العالم، ثم يتم سرد قائمة طويلة أعترف أنا قبل غيرى أنهم مدعاة للفخر من الرازى حتى ابن رشد مروراً بالمئات من القامات العظيمة، لكن السؤال الذى سيُغضب البعض ولكن طرحه بات ضرورة لأن أوان الطبطبة والمغازلة الشعبوية التى تلعب على المشاعر والنفاق الجماهيرى قد ذهب وولى، وأصبحنا فى زمن المصارحة، هل هؤلاء العلماء أبدعوا لأنهم مسلمون؟ الإجابة لا، إنهم أبدعوا لأنهم أبناء بلاد كانت لها حضارات علمية راسخة سابقة ومتجذرة مثل فارس والعراق ومصر وسوريا والأندلس، وإلا لو كان هذا الربط التعسفى بين ديانة العالم أو المخترع وإبداعه صحيحاً لوجدنا أعظم العلماء من تلك البقعة التى نشأ فيها الدين، ولكن هذا وبالإحصاءات لم يتحقق فى أى علم، حتى علوم الدين، معظم من قدموا فيها إسهامات ليسوا من أبناء الجزيرة العربية، بل هناك قسم كبير من فارس وكازاخستان.. إلخ، الرازى لم يبدع لأنه مسلم، كما أن «جاليليو» لم يغير مسار العلم بصفته المسيحية، و«سولك»، صاحب تطعيم شلل الأطفال، لم ينقذ العالم بديانته اليهودية ولم يقصر التطعيم على أبناء ديانته من المضطهدين وهو أول هؤلاء المضطهدين، كما لم يبخل رفيق ديانته «شينازى» علينا بالسوفالدى لعلاج فيروس سى برغم المرارة التى خرج بها من بلادنا التى يذكر تراثها أن هؤلاء هم أحفاد القردة والخنازير!!!.
ثقوا بأن الرحم الذى يحمل حملاً مستكناً وقردة زانية لن ينتج إلا عقماً علمياً.