بقلم : خالد منتصر
ما زال طه حسين حتى الآن، وفى ذكرى ميلاده، مثيراً للفكر والدهشة. ما زال قابلاً للتعلم منه وأخذ الدروس. ما زال، وهو فى قبره، يحرث تربتنا، ويوقظنا بمطرقته، بينما مفكرون بيننا يدفنون عقولنا ونحن أحياء فى هذا المحيط المتلاطم الأمواج من الأفكار المبتورة والتجديد المنقوص والتراجع الثقافى المخجل المهين. نحتاج إلى إطلالة على العميد طه من جديد، إطلالة من نافذته، إن لم يكن بيننا طه فلنصنع طه، وحتى يخرج هذا المارد من ركام ترابنا، وإلى أن نجد «سقراطاً» يزعجنا بأسئلته فى الشوارع، و«فولتيراً» ينقد أفكارنا المتخلفة ومؤسساتنا التراثية المحنطة الكسيحة، حتى يحدث ذلك علينا أن ندخل كل يوم إلى رواق طه حسين، نخلع أفكارنا القديمة عند عتبته ونتعلم الدرس.
الدرس الأول: احفر نفقك بأظافرك ولا تنتظر الحفارات الجاهزة، طه طفل كفيف من عائلة فقيرة يسكن محافظة بعيدة عن أضواء القاهرة، كل تلك الظروف كانت تؤهله فى النهاية لمصير قارئ على المقابر ينتظر نفحات الزائرين فى كفه الممدودة، لكنه عاند وخربش جدار الجرانيت وصنع نوره الخاص ونفقه الذاتى. الدرس الثانى: راجع مقدساتك المتوارثة لأن صدق الحقيقة ومعيارها ليس بعدد معتنقيها ولا بعدد سنوات رسوخها ولا بمكانة قائلها، عارض مشايخ الأزهر فى بديهياتهم، أو ما يظنونه بديهيات، تعلم الفرنسية واللاتينية حتى يفتح لعقله نوافذ جديدة ومختلفة غير مكتفٍ بمقولة أن اللغة العربية أقدس اللغات، مارس الشك فى ما حفظه من تراث ولم يجعل عقله خزانة حفظ، بل جعله معمل تحليل وفرز ونقد. الدرس الثالث: حرر قلبك للحب كما حررت عقلك للشك، سوزان الفرنسية كانت وقود القلب والعقل معاً، لم يخدع نفسه بمقولة أن الحب معطل للبحث والدراسة، كانت الملهمة والمحفزة وشريكة النجاح والضنى أيضاً. الدرس الرابع: الثقافة ليست برجاً عاجياً، والمثقف ليس راهباً فى دير معزول عن أحداث مجتمعه، خاض طه غمار السياسة ولم يعتبر أن منصب الوزارة تلويث لمساره الفكرى، وكانت ثورته كوزير لصالح التعليم مساوية لثورته كمثقف لصالح الفكر والثقافة. الدرس الخامس: لا تحول مناوشات السلطة ومظاهرات الدهماء وشتائم الغوغاء ضدك إلى طاقة غضب مدمرة تجاه وطنك، تم التحقيق معه وهو شاب وشتمه طلاب الأزهر، بل وانتقده زعيم الأمة وخذله، وانتقده بعض زملائه، ولكنه لم يهاجر إلى فرنسا برغم سهولة ويسر القرار، بل ظل فى وطنه محباً له يزرع بذور التنوير ويعلّم الأجيال ويخرّج التلاميذ والأبناء مشاعل نور وأمل فى كل ربوع المحروسة.
هذه دروس طه حسين التى لم تكن بين سطور كتبه، بل كانت فى أنفاس حياته وخطوات عمره.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع