توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تاريخ صلاحية الآنسة فلانة

  مصر اليوم -

تاريخ صلاحية الآنسة فلانة

بقلم: خالد منتصر

هل أخطأت «مها» الفتاة التى تخطت الثلاثين، وأعلنت على الفيسبوك رغبتها فى الزواج وشروطها فى العريس؟ فى رأيى أنها أخطأت فقط فى كلمة «أعرض نفسى»، فنحن لسنا فى سوق جوارى، إنما أنا أعذرها ومتفهم جداً الضغوط الاجتماعية المحيطة بها، وهى لم ترتكب جرماً، إنما هو المجتمع الذى برمج عقول البنات بأنهن سلع من الممكن أن تبور، وبأنها دائماً هى التى تنتظر ولا تبادر بأن تعلن حبها، مثل هذه المشكلة كان قد فجرها الكاتب توفيق الحكيم فى مسرحية «أريد هذا الرجل»، والتى جسدتها فاتن حمامة فى فيلم تليفزيونى قصير ضمن ثلاثية أخرجها سعيد مرزوق، أتذكر أن مشاهد عرض الزواج من فاتن حمامة على أحمد مظهر كانت صادمة للجمهور وجديدة على الذائقة المصرية، «مها» تريد الخلاص من كلمة العانس، تذكرت وأنا أستمع للفيديو الذى عرضته على صفحتها، عبارة: «العانس عقلها مش صغيّر دنيتها هى اللى صغيّرة»، إنها جملة حوار عبقرية كتبها الراحل الجميل أسامة أنور عكاشة فى مسلسل «امرأة من زمن الحب»، وذلك جاء وصفاً لحالة «لبيبة»، التى جسدتها الفنانة عبلة كامل بامتياز، المسلسل قديم، ولكن ما زالت هذه الجملة محفورة فى الذهن كالوشم، هذه الجملة برغم بساطتها، فإنها لخّصت العالم المعقد والغامض الذى تعيش فيه العانس المصرية، التى يتهمها الجميع بأنها حِشرية وفضولية وحسود، ما يجعلها تنعزل أكثر وأكثر وتدخل محارة الذات المؤلمة، تقتات أحزانها وتجتر إحباطاتها، فتتبدل أحلامها كوابيسَ وآمالها أشباحاً، وفى مجتمع يقسّم فيه النساء إلى نساء على الزيرو، ونساء نصف عمر ونساء كهنة، ويلصق على جبهة كل امرأة تاريخ صلاحيتها فى هذا المجتمع لا بد أن تكون العانس خارج المنظومة، وشخصاً غير مرغوب فيه، وعبئاً مؤجلاً لحين التخلص من مسئوليته.

العبقرية فى جملة «عكاشة» هى أن فى ثناياها الحل أيضاً، فالحل هو فى توسيع عالم هذه العانس وخروجها من محارة الانتظار المر اللانهائى، وأنا شخصياً أعتبر الكثيرات من العوانس ضحايا لحظة صدق مع النفس خيّرت فيها بين احترام كرامتها أو الإذعان لرغبات الزبون المسمى عريساً، فاختارت الكرامة أو العنوسة، والعنوسة فى مصر للأسف ليست سناً، بل هى فى المقام الأول إحساس، فنحن نرسم استراتيجية القضاء على لفظ آنسة، والبنت لا تزال على أعتاب العشرين، وأحياناً قبلها بكثير وينتقل هذا الإحساس أوتوماتيكياً إلى البنت التى تشارك فى إزالة آثار كلمة آنسة، فتساعد الأهل على تنفيذ هذه الاستراتيجية، فترتدى الحجاب إذا كانت الريح مواتية فى هذا الاتجاه، وتخلعه إذا كانت فى عكس الاتجاه، وتصبح الأفراح هى سوق التلات الزواجية، التى تعرض فيها مهارات البنات من رقص ولبس برضا الأم وطناش الأب!!.

العازب فى مصر غير العانس، فالمجتمع احتفظ للرجل بدور الصياد القديم الذى كان يؤديه وقت إنسان الكهف والباحث دوماً عن الفريسة، فهو الطالب، وهى المطلوبة، وهو الباحث، وهى المبحوث عنها، ومن هنا فهو ليس له تاريخ صلاحية محدد مثلها، وإنما هو من السلع المعمّرة، والمهلة الممنوحة له للاختيار بطول عمره كله، ووقت أن تطق فى دماغه، يقرر الجواز يتجوز، أما المسكينة ذات تاريخ الصلاحية المحدد كالبلوبيف واللانشون، والمختوم بختم المجتمع والعرف والتقاليد، فليس لها حق وترف الانتظار، فقطار الزواج توربينى لا يقف فى محطات، وعليها أن تنتظره فى الميعاد المناسب والمحطة المحددة وإلا فاتها القطار وظلت على رصيف الانتظار، وقد ضاعت عليها التذكرة وأصبحت غير قادرة حتى على التسطيح!!. المفهوم الروبابيكى الذى نتعامل به مع العانس هو مفهوم ضارب بجذوره فى تلابيب تفكيرنا وأرواحنا، وبنظرة سريعة على أمثالنا الشعبية نجدها تعبر عن هذا المفهوم خير تعبير، خذ عندك «ضل راجل ولا ضل حيطة». «الرجل بالبيت نعمة، ولو كان فحمة». «اخطب لبنتك وما تخطبش لابنك»، «اقعدى فى عشك لما ييجى اللى ينشك» إلخ. هذه الأمثلة وغيرها تدل على أننا حماة التراث بكافة أنواعه وملله ونحله، حتى البابلى، فمنذ ثلاثة آلاف عام وُجدت تلك العبارة على أحد آثار بابل «الفتاة التى تتزوج نملة أفضل من الفتاة التى تحيا وتموت وعلى قبرها كلمة عانس»، فهل كان كاتبها مصرياً هاجر إلى العراق؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ صلاحية الآنسة فلانة تاريخ صلاحية الآنسة فلانة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon