بقلم : خالد منتصر
بمناسبة حصول د. أحمد عكاشة على الدكتوراه الفخرية من جامعة عين شمس أستعيد وأقتبس مقالاً كنت قد كتبته عنه منذ عشر سنوات تقريباً.
صار من المتعارف عليه فى مؤتمرات الطب النفسى أنهم عندما يطلقون كلمة الأستاذ حضر أو الأستاذ خرج أو الأستاذ سيلقى محاضرة فإنهم يقصدون د. أحمد عكاشة، حتى ولو كان المؤتمر مليئاً بالأساتذة الأجانب، فالكل صار يدين له بالأستاذية، وأنا واحد من هؤلاء، فبرغم أن تخصصى مختلف، وبرغم أننى تخرجت فى طب القاهرة وليس عين شمس التى تتشرف بانتمائه إليها كأستاذ، وبرغم أن لقاءاتنا قليلة وبالصدفة، إلا أننى أعتبر أن بصمته على تكوينى المعرفى والثقافى والنفسى لا يمكن أن تمحى، فهو أسطى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يستطيع كأسطوات الأرابيسك أن يعلمك ويبهرك ويمنحك الأسرار دون أن ينصب من نفسه كاهناً، كاريزما لا تقاوم، شياكة وأناقة فى الحديث والمظهر وطريقة التدريس وأسلوب الكتابة ومنهج النقاش.
لا تستطيع إلا أن تنجذب إلى مغناطيسه الذى يتغلب على كل قوى الجاذبية، يكفى أن لديه مفاتيح النفس وباسوورد السلوك الإنسانى وشفرة الوجدان وأسرار كيمياء العقل، فلا تندهش إذا ضبطت نفسك وأنت تسحب كل أشواك القنفذ الدفاعية فى حضرته، وتجلس أليفاً هادئاً تستمع وتنصت وتحلم بأن تنام على طاولة التشريح النفسى لأسطى الطب النفسى.. أحمد عكاشة.
صك مصطلحات جديدة فى الطب النفسى هوايته، ترجمة الوجدان وتفسير العقل المصرى هاجسه، لم يجلس فى برج عاجى يدخن الغليون ويلعن غباء الناس، بل اشتبك مع الشارع والبشر، وكتب ونشر وانتقد وهوجم، اقتحم كثيراً حقول ألغام المسئولين والساسة وشخصهم اضطراب هوية، دخل عش الدبابير مع السلفيين عندما برّأ المنتحر المكتئب من تهمة الكفر، حارب الدجل والخرافة والسحر وعشوائية التفكير، غرّد خارج السرب فأغضب البعض ممن يريدون المثقف فرداً فى قطيع مطيع، كشف ثقوب الضمير فانكشف سماسرة الشعارات.
قامة عملاقة وشقيق قامة عملاقة أيضاً، لا بد أن جينات ثروت عكاشة قد تسربت إلى أخيه أحمد، فعندما تجلس إلى أحمد عكاشة فلتستعد لرحلة كونية فلسفية عبر الأثير مطعمة بالموسيقى ومطرزة بالفن التشكيلى والسينما والمسرح، لا يمكن لمن تربى فى حضن ثروت عكاشة إلا أن يصبح موسوعياً، صاحب رؤية متسامحة مع الآخر، غير متعالية حتى على المريض، إنه يتعلم من مريضه، ويؤمن بأن أهم مرجع طبى فى العالم هو المريض.
أنا سعيد ومحظوظ أننى حاورت وعرفت د. أحمد عكاشة، وسعيد أكثر أن تكريمه جاء من جامعة عين شمس، بيته الثانى وعشقه الأبدى.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع