توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خرافة الموت حسداً

  مصر اليوم -

خرافة الموت حسداً

بقلم: خالد منتصر

الموت حادث جلل، خاصة إذا كان الميت شاباً مثل اليوتيوبر الحفناوى أو الفنان هيثم زكى.. إلخ، لكن لا نريد أن تجعلنا رهبة الموت نعتنق أفكاراً خرافية ونقتنع بمبررات لا تمت إلى العلم ولا العقل بصلة، مثلما قيل فى آلاف المواقع وأحد البرامج الدينية الشهيرة عن أن الحسد هو سبب وفاة الحفناوى، ولذلك أكتب وأكرر عن موضوع الحسد ما يلى:

كلما راجعت شخصاً فى إمكانية تأثير العين والحسد على شخص وإيقاع الضرر به، يرد عليك بكل ثقة واستنكار صارخاً فى وجهك: «يا راجل انت حتكفر، ده الحسد مذكور فى القرآن!»، ويُردّد على مسامعك سورة الفلق، ويرفع من صوته مفحماً إياك حين يصل إلى «ومن شر حاسد إذا حسد». لم أقتنع يوماً بأن «العين فلقت الحجر» كما يقولون، وأنه من الممكن بمجرد نظرة حسد أن تخرب سيارتك الزيرو، أو تحترق شقتك الجديدة، أو يرسب ابنك المتفوق فى الامتحان، أو تطلق زوجتك ليلة الدخلة.. إلى آخر تلك الترهات المنتشرة فى مجتمعاتنا المتفنّنة فى خلق شماعات لتعلق عليها فشلها وتبرر إخفاقاتها. لو كان هذا صحيحاً لجمعنا الحاسدين دفعة واحدة فى سيناء وأعطيناهم فرماناً عسكرياً بتسليط أشعة ليزر عيونهم الحسادة تجاه إسرائيل المتقدّمة لتحترق! الحسد كشعور قلبى معنوى بالطبع موجود، ومن المستحيل أن يختفى من الحياة، لكنه لن يتحول أبداً إلى خانة فعل أو أداة ضرر، والآية الكريمة التى يُشهرها دوماً أصحاب نظرية الحسد ومعتنقو تأثير العين، هل هى تتحدّث عن شر الحسد أم شر الحاسد؟ إنّه شر الحاسد الفاعل الذى يستطيع إحداث الضّرر وإيقاع الأذى بك، ليس من خلال الحسد القلبى، ولكن من خلال الفعل والتنفيذ البدنى والتخطيط العقلى، يعنى إذا ظل ينظر الحاسد إلى سيارتك الجديدة قرناً من الزمان لن يحدث لها أى مكروه إلا إذا جاء بمسمار وحكّ الباب أو أفرغ الإطار أو فكّ الفرامل.. إلخ، وإذا حدث المكروه دون تلك الأفعال، فهو من باب الصُدفة أو من باب إهمالك عوامل الأمان، لأن المنطق العلمى يقول إن الارتباط يتم بين تكرار الحدث وتكرار الفعل نفسه كل مرة، وبالطبع هذا لا يحدث، وهذا هو المعنى الذى يقوله القرطبى فى تفسيره: «قلت: قال العلماء: الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فيتبع مساوئه، ويطلب عثراته»، وكما فهمه أيضاً الكاتب المغربى ياسين ديناربوس عندما كتب «أفهم من اﻵية الكريمة أن الحاسد لا سلطان له إلا إذا حسد، أى أن رغبة وتمنى زوال النعمة هى شعور يحتاج إلى تطبيق على أرض الواقع بدلالة وجود (إذا) فى اﻵية، وهى أداة شرط تشترط الفعل العينى لوقوع شر الحاسد، وإلا لكانت تستقيم اﻵية بقوله تعالى (من شر حسد الحاسد)، أو (من شر عين الحاسد)، هنا يكمن شر الحاسد، شر الحاسد عمل فعلى ملموس خاضع لقوانين الفيزياء وسُنن الكون التى سنّها الخالق عز وجل، والتى لا تبديل لها إلا بإذنه! إن تدخُّل الإنسان فى مجريات الأحداث لا يخرج عن قوانين الطبيعة التى يُسيّر بها الخالق هذا الكون! وكل ما يشاع عن شر حاسد بمجرد النظر بالعين فهو محض هراء وتخريف!».

فنّد الكاتب محاولة البعض الاستدلال بالقرآن الكريم لإثبات صحة الاعتقاد بالعين من خلال تفسير اﻵيتين التاليتين: الأولى قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام، فى وصيته لأبنائه: «وَقَالَ يَا بَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِى عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَىْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إلاَّ للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ»، فقد فُسِّرت دعوة يعقوب لأولاده بالتفرُّق بأنها حماية لهم من العين، لأنهم كانوا ذوى جمال وهيئة وكمال، لكن التفسير المذكور غير تام، إذ من الممكن أن يكون السبب وراء أمرهم بالتفرق هو حمايتهم من الأذى والملاحقة فى حال دخولهم مجتمعين من باب واحد، ثم إنه لا يوجد أى شىء يدل على العين فى اﻵية لا من قريب ولا من بعيد.

الثانية قوله تعالى: «وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ»، وهنا حمل قوله «ليزلقونك بأبصارهم» على معنى: يهلكونك ويصيبونك بأعينهم، ويلاحظ على ذلك: بأنّ دلالة الآية على الإصابة بالعين غير واضحة، وغاية ما تدل عليه أن الذين كفروا لشدة غيظهم ينظرون إلى رسول الله نظرات ملؤها الحقد والغضب تكاد تصرعه، وهذا التعبير متعارف عليه ومألوف ويراد به بيان حدة النظرة ولؤم صاحبها، دون أن يكون لها تأثير سلبى واقعاً، ونظيره ما يتردد على الألسنة فى التعبير عن النظرة الحانقة: «يكاد يأكلك بعينيه».

لذلك لا أحد يموت بمرض اسمه الحسد، والعيون الحاسدة لا تشع منها فيروسات، فلنُفكر بطريقة علمية وكفانا ترامادول أوهام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خرافة الموت حسداً خرافة الموت حسداً



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon