بقلم : خالد منتصر
وصلتنى رسالة من د.عصمت شيبة، أستاذ الباطنة بطب القاهرة، وهو معروف بالصرامة العلمية والدقة البحثية، ولذلك فرسالته مهمة فى فتح باب النقاش حول تلك القضية التى هى قضية حياة أو موت لمجتمعنا، يقول د. شيبة فى رسالته:
ما هو تعريف منهج التفكير العلمى؟
المنهج العلمى هو مجموعة من التقنيات للتحقيق فى الظواهر والأفكار، واكتساب معارف جديدة، أو تصحيح ودمج المعرفة السابقة. ولكى يطلق عليها مصطلح «علمى»، فإن طريقة التحقيق تستند عادة إلى أدلة تجريبية أو قابلة للقياس تخضع لمبادئ منطقية محددة. مع أن طبيعة وطرق المنهج العلمى تختلف حسب العلم المعنى فإن هناك صفات ومميزات تميز البحث والتقصى العلمى عن غيره من أساليب التقصى وتطوير المعارف. عادة يضع الباحث العلمى فرضية أو مجموعة فرضيات كتفسير للظاهرة التى يدرسها ويقوم بتصميم بحث تجريبى لفحص الفرضيات التى وضعها عن طريق فحص تنبؤاتها ودقتها. ويمكن أن تتشكل فرضيات جديدة يتم فحصها. وبناء على التجربة يكون استنباط الحقائق.
ولشرح هذا أكثر فإننا سوف نعطى مَثلين أحدهما يخص أمراً علمياً بحتاً، وآخر يخص قراراً اقتصادياً ونرى كيف يمكن تطبيق منهج التفكير العلمى فى الأمرين.
أولاً المثل العلمى: هل يمكن استخدام عقار الأسبرين للإقلال من احتمال حدوث أورام بالقولون. البداية تبدأ بالظاهرة وهى ملاحظة أن المرضى الذين يأخذون الأسبرين لتفادى حدوث جلطات نسبة حدوث أورام بالقولون لديهم أقل. هذه هى الظاهرة ولكن ما هى الأدلة التجريبية القابلة للقياس؟
يجب تصميم تجربة تقارن نسبة حدوث سرطان القولون فى الذين يأخذون والذين لا يأخذون الأسبرين. وفى تصميم واستنتاج النتائج من مثل هذه التجربة هناك ضوابط دقيقة جداً (ليس هذا مجال لتفاصيلها) ولا يمكن الإخلال بها حتى نتمكن من الوصول للحقيقة. وبعد ذلك تكون هذه التجربة عرضة للإعادة مرات ومرات حتى يمكن أن ترسخ كحقيقة.
هذا فيما يخص الأمور العلمية، فهل ينطبق هذا المنهج أيضاً على الاقتصاد؟
الإجابة بالتأكيد نعم. ولنأخذ مثلاً لذلك. لاحظ أحد الأشخاص أن الناس يستخدمون الأطباق الفخار المعرضة للكسر خاصة مع الأطفال وقد تساعد فى انتشار العدوى. هذه هى الظاهرة. فدرس إيجابيات وسلبيات أن يصنع أطباقاً من أنواع مختلفة من البلاستيك فوجد أن الإيجابيات قد تفوق السلبيات. فقرر أن يقوم بالتجربة وهى إنشاء مصنع صغير لا يتجاوز غرفتين كان يعمل فيه هو وزوجته فقط. هذه هى التجربة. وسوَّق للمنتج الجديد فوجد أنه يلاقى إقبالاً شديداً. هذه هى نتيجة التجربة. فتوسع فى مصنعه ليكون مبنى منفصلاً يعمل فيه نحو 50 عاملاً ونجح المصنع الجديد. هذه هى إعادة التجربة. والآن أصبح من كبار العاملين فى هذا المجال. السؤال هل لو كان أقام مصنعاً كبيراً عندما أتت له الفكرة هل كان سيحقق نفس النجاح؟
الإجابة: كان سيكون احتمال النجاح 50%. إذن، إذا كنت تريد أن تكون خطواتك ثابتة لا مناص من اتباع المنهج العلمى حتى فى الاقتصاد. والقياس على ذلك هو التجربة المصرية الشهيرة فى إلغاء ثم عودة سنة سادسة ابتدائى.
والأن ما أهمية ذلك؟ أهميته هو أن ندرك أن منهج التفكير العلمى هو أسلوب الحياة المناسب لهذا العصر ويجب أن يكون الهدف الأساسى من أى منهج تعليمى من التعليم الأساسى إلى أعلى الدرجات العلمية. ومن المفارقات أن أول من دعا إلى هذا المنهج هو عالم الرياضيات العربى الشهير ابن الهيثم من العراق عام 965-1039 وأخذه عنه الأوروبيون وها نحن ما زلنا لم نعِ هذه الحقيقة فكانت قراراتنا عشوائية قد تنجح مرة ولكنها تفشل فى كثير من المرات.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع