بقلم: خالد منتصر
أسعدنى حصول الفنان المصرى الأصل رامى يوسف على جائزة «الجولدن جلوب»، لكن ما أسعدنى أكثر هو أن الموسيقى المصاحبة لصعوده إلى المسرح لتسلمها أمام أهم نجوم هوليوود، كانت موسيقى لونجا ٧٩ للموسيقار هانى شنودة، كانت تلك اللحظة بالنسبة لى جائزة طال انتظارها لـ«شنودة»، لكنه لم يتسلمها، وإنما عيون محبيه وجمهوره هى التى تسلمتها، هانى شنودة هذا الموسيقار الذى لم يأخذ حظه من الاحتفاء النقدى حتى هذه اللحظة، العلاقة مع هانى شنودة بالنسبة لجيلى كانت محددة بلحظات تاريخية فارقة فى حياتنا، كنا نتلمس طريقنا فى بدايات كلية الطب، وكنا نسمع من الدفعات التى على وشك التخرّج عن فرقتين موسيقيتين متنافستين تعزفان الأغانى الغربية المشهورة، كان كل فريق له أنصاره ومشجعوه، بل والمتعصبون له، فرقة البلاك كوتس بقيادة إسماعيل توفيق الحكيم، الذى رحل فى مطلع شبابه، وكان معه على نفس موجة الجنون الفنى الجميل شريف ظاظا وأشرف سلماوى ومجدى الحسينى، وفرقة البيتى شاه، التى أسسها وجدى فرنسيس، ومعه نجوم من أمثال عزت أبوعوف وهانى شنودة وعمر خورشيد وعمر خيرت، الذى كان وقتها عازف درامز!!، كنا نسمع عن هانى شنودة فى وسط هذا الزخم الشبابى الثورى، الذى كان يعكس موجة فورة شبابية متمرّدة تجتاح العالم كله، وكنا نحلم بأن نلتقى مع أحدهم فقط أو مجرد مصافحته.
انسلخ هانى شنودة، الذى لم يكن مجرد عازف، بل كان صاحب مشروع فكرى موسيقى، كان الوحيد من ضمن تلك المجموعة الذى قرر تكوين فريق غنائى مصرى يغنى أغانى خاصة بنا وتنطق بلغتنا، كانت دلالة الاسم قوية، فريق «المصريين»، الذى سمعته لأول مرة أثناء رحلة للدفعة إلى أسوان، انبهرنا بتلك الفرقة التى كانت ألحانها وكلماتها جديدة علينا تماماً، ساندهم صلاح جاهين، وغرّدت معهم إيمان يونس، صاحبة الصوت الدافئ الشجى، الذى تسلل إلى قلوبنا وسكنها كالوشم، وكان لفريق «المصريين» معنا نحن أبناء قصر العينى حكاية حكيتها من قبل، وهى مظاهرات الجماعة الإسلامية ضد فريق «المصريين» فى زمن عمادة هاشم فؤاد، وهذه القصة فيها تفاصيل موحية ومهمة تلخص الوضع الطلابى فى الثمانينات، وكيف كانت كراهية وتقبيح الفن أولوية لدى هذا التيار الفاشى.
ظل هانى شنودة يضع بصماته المبهجة على أرواحنا ونحن نمضى فى الطريق المنهك وكأنه يمهده لنا، مع كل فيلم يحفر فى تجاعيد الروح جدول فرح، نجد موسيقى هانى شنودة تبعث فينا الأمل والمتعة والبهجة والحنين والشجن.
«شمس الزناتى، المشبوه، لا عزاء للسيدات، غريب فى بيتى، الحريف... إلخ»، أفلام تعامل معها هانى شنودة بروح عاشق الفن السابع المتيم، بل كانت موسيقاه من فرط روعتها وعمق بصمتها فى بعض تلك الأفلام أكثر خلوداً فى الذاكرة من المشاهد واللقطات.
فرحت بموسيقى هانى شنودة وهى تزف رامى يوسف وتبعث إلينا برسالة ونحن نشاهد توم هانكس ورفاقه من النجوم يتذوقونها معنا، الموسيقى هى اللغة الوحيدة التى لا تحتاج إلى ترجمة فورية، لأن حروفها من قاموس الأثير والضوء، هى الفن الوحيد الذى ليست له مادة خام محسوسة، هى فن يخلق من الصفر، من اللاموجود، لذلك كانت الجملة الفلسفية الخالدة «كل الفنون تطمح إلى أن تكون موسيقى»، هى جملة فى منتهى الصدق، دُمت لنا هانى شنودة صادقاً محباً فناناً مصرياً حتى النخاع، ألف مبروك.