بقلم: خالد منتصر
ظلت مصر تعانى وتكافح وتناضل ربع قرن حتى صدر القانون المنظم لزراعة الأعضاء، وأظنها ستظل ربع قرن آخر حتى تفعّل هذا القانون!
حتى هذه اللحظة القانون فى الأدراج، يغط فى نوم عميق، وما زال البعض يريد اختراع العجلة، ويعيد الجدل العقيم المقيت السقيم حول زرع الأعضاء وتعريف معنى الموت، ونقطة ومن أول السطر وتتكرر نفس نغمات الأسطوانة المشروخة، حالة متردية من التوهان العقلى أو ما أطلق عليه يوسف إدريس «التولة الاجتماعية»، هواية اللت والعجن والحكى فى المحكى، لكن اللت والعجن والتراخى فى تلك القضية ليس طق حنك ولكنه يكلفنا كل يوم أرواحاً، هناك جرائم قتل تحدث كل يوم نتيجة حالة اللامبالاة أمام الفزاعة التى يرهبنا بها معارضو زرع الأعضاء من الموتى إكلينيكياً.
وقد وصلنى القول الفصل فى تلك القضية منذ عدة أيام، وهو مجلد من جزأين تحت عنوان «لغز الحياة والموت.. أمل مصر فى زراعة الأعضاء»، للعالم الكبير والطبيب الحكيم أستاذ التخدير د.عبدالمنعم عبيد، ذلك الرجل الذى لا يختلف عليه اثنان فى خبرته وإلمامه بقضايا الصحة فى مصر، الكتاب لم يترك ثغرة إلا وسدها، ولا حجة إلا وقدمها، ولا نقداً إلا وفنده، فى الجزء الأول قدم بانوراما للتقدم المذهل فى عالم زراعة الأعضاء، والقفزات الخيالية التى قفزها العلم فوق الأسوار والموانع وحل بها مشكلات كانت منذ سنوات قليلة من المستحيلات، أما الجزء الثانى فهو قرص الدواء الشافى لعلاج تلك المشكلة المؤرقة، والتى هى عَرض لمرض ثقافى واجتماعى وفكرى قبل أن تكون مشكلة طبية.
استعرض د.عبيد أخلاقيات المهنة ككل ثم أخلاقيات زرع الأعضاء على وجه الخصوص، ووضح أنها ليست «جهجون» أو فوضى، ولكنها بروتوكولات لا تحتمل ولا تسمح بأى فهلوة أو اختراق.
فى فصل آخر تحدث عن تجارة الرقيق التى تتم فى سوق بيع الأعضاء والناتجة عن منع زرع الأعضاء من الموتى إكلينيكياً وليس العكس كما يروج المتدروشون، ويشير إلى أننا أكبر دولة فى حوادث الطرق وأكبر دولة فى عدد من يحتاجون زرع كبد وبرغم ذلك ما زلنا نصر على أن نقف فى المنطقة المظلمة الرافضة لزرع الأعضاء وتشاركنا طالبان! بينما العالم كله يزرع الأعضاء من الموتى إكلينيكياً.
أما أزمة الفكر الدينى الذى تحنط عندنا وتكلس ووقف عند زمن الأخلاط الأربعة وحجامة الدم الفاسد ومدة حمل الأربع سنوات...إلخ، وهو المتسبب فى رعب رجل الشارع والمسئولين أيضاً من إدخال القانون غرفة الإفاقة لتفعيله وبدء كتابة قبول التبرع على رخص القيادة ونشر ثقافة التبرع، ففى الحقيقة لم أجد أروع ولا أكثر إفحاماً من تفنيدات د.عبدالمنعم عبيد لكل تلك الفتاوى الدينية المانعة لهذه المنحة الربانية والعلمية والطبية، والمفضلة لالتهام دود الأرض لجثثنا على إفادة المرضى وإنقاذهم.
شكراً لأستاذنا د.عبدالمنعم عبيد على هذا الجهد الرائع، وأتمنى أن يوضع هذا الكتاب على رفوف كل المكتبات ليعرف الجميع ويتأكد أن الحياة تستحق، وأن العلم هو يد السماء الحانية علينا.