بقلم : خالد منتصر
هزت حادثة طبيب كفر الشيخ مصر من أقصاها إلى أقصاها، وأصابتنا جميعاً بالذهول، زوج قتل زوجته وأطفاله ثم أخفى بعض المشغولات الذهبية لتضليل الشرطة، تضاربت الآراء، فكان المبرر فى بعض الصحف الشك فى السلوك، وفى مصادر أخرى زيادة الطلبات والأعباء، لن أناقش القضية من الناحية البوليسية والقانونية، فهذا عمل الشرطة والنيابة، لكن كواليس تلك الجريمة تفتح باب نقاش لقضية اجتماعية أهم وأعمق، لا تتعلق فقط بهذا الطبيب وأسرته لكن تتعلق بظاهرة اجتماعية جديدة على مصر، وهى ظاهرة سفر الزوجة إلى الخليج وترك الزوج فى مصر، أو سفر الزوجة إلى الخليج بعقد عمل ومعها الزوج بدون عمل، يظل عاطلاً هناك، يجلس فى البيت للفرجة على التليفزيون، وانتظار التعاقد مع أى مكتب أو مؤسسة هناك، الفجوة النفسية التى يخلقها هذا الوضع، والإحساس بالدونية فى ظل ثقافة ذكورية لا تعترف بأن للزوج دوراً فى تربية الأطفال، وأن الزواج علاقة شراكة بين زوج وزوجة، وليس علاقة سخرة بين سيد وجارية، كل هذا يصنع قنبلة موقوتة ولغماً مدفوناً ينتظر لحظة التفجير، ما قيل فى حادث كفر الشيخ هو قصة إجازة قصيرة لزوجة من عملها فى السعودية، لحضور زفاف شقيقها، هى طبيبة تحاليل متحقّقة فى عملها، ولكى تحصل على التخصّص لا بد أن تكون قد حصلت على شهادة غير البكالوريوس، من الممكن دبلوم أو ماجستير، استنتاجى المتواضع أنها طموحة أكثر من الزوج، لأن الزوج اكتفى بوجوده فى وحدة صحية ريفية، إذن هناك فرق طموح وجهد، فالتعود على العمل فى الوحدة الصحية يخلق تآلفاً مع الكسل ويقتل إحساس الترقى والتميّز، هنا انتهت التفاصيل المتاحة لقصة طبيب كفر الشيخ وعلينا توسيع العدسة لكى نُطل على المشهد بانوراما من نافذة المجتمع المصرى كله، ظاهرة تبادل الأدوار فى ظل مناخ يصر على تهميش المرأة وزرع إحساس الدونية فيها، هذا المناخ وتلك الثقافة لا تتلقى وتتقبل بسهولة صدمة أن تأخذ الزوجة اليد العليا فى العلاقة، يشحن الزوج بأحاسيس عدوانية، فهى التى تأتى بالمال، هى التى تخرج وتسافر، الزوج فى تلك العلاقة إما منتظر حصيلة الراتب، أو منتظر فى البلد الخليجى الذى صار اسمه فيه «مرافق زوجة»، الزوج يترجم تلك العبارة إلى تابع زوجة، هو فى الأصل لا يرضى إلا أن يكون سيد زوجة لا مجرد مرافق، هو فى الأصل يمشى فى الشارع مزهواً فى مقدمة الكادر، وهى ظل أو «شادو» فى الخلفية، ولو كان الزوج مع العيال فى مصر، فهو ينتظر ورقة الويسترن يونيون التى تصله كل شهر، أو رحلة مكتب الصرافة لتغيير الريالات أو الدراهم، تدخل الزوجة من المطار محمّلة بهدايا الأطفال توزّعها عليهم، تصير هى المحبوبة المفضّلة، يزيد الحقد والغل عند الذكر المتربص، مر وفات سن المعافرة بالنسبة له، وتمكنت «الأنتخة» من مفاصل الروح، لم يعد أمام أى زوج يعيش هذا الواقع إلا أن يؤكد دوره الذكورى، هو من الممكن أن يمرر تبادل الأدوار الاقتصادى، ومن الممكن أن يبتلع على مضض تبادل الأدوار الاجتماعى، لكنه يصر على الاحتفاظ بالدور الذكورى الجنسى الفحولى الممنوع فيه تبادل الأدوار، فيُصر على تجريب واختبار صحة وعافية هذا الدور، يصبح فى منتهى الحساسية عند أى خطأ عابر أو فشل مؤقت، يفسر أى إيماءة من الزوجة أو امتعاض أو حتى نظرة إرهاق على أنها خيانة و«مشى بطال»، يزداد الخيال اشتعالاً ويرسم للزوج، سواء كان ساكناً هنا أو مرافق زوجة هناك، بورتريهاً دموياً يطل فيه ثعبان الشهوة بفحيح مسموم، يعكر الروح ويسمم العقل، ما أقوله ليس عن تلك الجريمة بالذات، لكنه محاولة لقراءة سيناريو من سيناريوهات الأمراض الاجتماعية والنفسية التى خلقتها الهجرة والغربة فى شعب ظل آلاف السنين مرتبطاً بالوادى، وأرض كانت مغناطيس جذب لا ركلة طرد، إن ما حدث هو عرض لمرض ثقافى واجتماعى طارئ، كانت نتيجته دماء وأشلاء أنفس وأطلال أرواح، فهل هناك من يقرأ ما بين السطور الضبابية وخلف الستائر الكثيفة وداخل الغرف المغلقة؟.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع