بقلم: خالد منتصر
انتشر بشكل هستيرى كاسح فيديو لشخص يدّعى أنه المهدى المنتظر، ووصلت مشاهداته على السوشيال الميديا إلى عدة ملايين فى ساعات، المزعج والمحزن هو حجم السخرية والتجريس والتجريح، وربط تصرفاته بأن الكورونا لحست مخه.. إلخ، تعليقات قاسية وتنم عن جهل شديد بطبيعة المرض النفسى، وتعبر عن تدنٍ إنسانى مرعب عند قطاع كبير من الجمهور، هذا الشخص يحتاج إلى التعاطف والعلاج وليس التنمر والهجوم، هل حضرتك تسخر من مريض الكبد أو القلب أو تضحك على مريض السرطان أو فشل الجهاز التنفسى فى الكورونا؟!، من يفعل ذلك يتهم بأنه مجرم منعدم الإحساس، فلماذا استباحة المريض النفسى والتساهل فى السخرية منه؟، حملت أسئلتى إلى أستاذى العزيز د. أحمد عكاشة الذى بأستاذيته فى الطب النفسى دوماً يفسر لى ويوضح الغامض وما وراء السطور فى سراديب النفس البشرية، عرفت قيمة حملته المهمة لإزالة وصمة المرض النفسى حين وجدت هذا الكم من التنمر على «المهدى المنتظر» وأمثاله، ومن نخبة مثقفة وبعضهم حاصل على الدكتوراه ويمارسون نفس السخرية، قال لى د. عكاشة إن ما يعانى منه هذا الرجل هو مما يسمى «ضلالات العظمة»، وهو مكون لأمراض كثيرة منها الذهان والفصام وثنائى القطب، ومن الممكن جداً أن يكون ثانوياً لورم فى المخ، وبالرغم من ذلك أنت تضحك عليه وتسخر منه، يا للقسوة، شرح لى د. عكاشة أن الضلالات عادة متواكبة مع الثقافة والدين ومن النادر فى الغرب أن يحمل مريض ضلالات دينية، وقد أجرى د. عكاشة دراسة مقارنة فى مرض الوسواس القهرى الذى يسب فيه المريض الذات الإلهية ويلجأ إلى رجل الدين لأنها تفسد صلاته فيخبره بأنه الشيطان، وبالرغم من أن المريض يستعيذ وينفذ أوامر الشيخ إلا أنه لا يُشفى، وكما يقول د. عكاشة دائماً الإيمان يقلل الآلام لكنه لا يشفى المرض النفسى، وجد د. عكاشة فى دراسته أن الوسواس القهرى المختلط بهذا العرض الدينى نسبته 61٪ فى الوسواس القهرى المصرى و59٪ فى اليهودى و20٪ فى الهندى، وصفر فى المائة فى بريطانيا، وكانت المفاجأة التى قالها لى د. عكاشة أن هذا المهدى المنتظر من الممكن أن يُشفى، وأكد أن شفاء الأمراض النفسية مع العلاج المبكر والاستمرار على العلاج لمدة تتراوح ما بين ٣ إلى خمس سنوات دون نكسات، يستطيع المريض أن يعيش بعدها دون دواء مدى الحياة، المرض النفسى هو المرض المزمن الوحيد الذى يفقد صفة المزمن، فالسكر والضغط يظلان طيلة الحياة على عكس المرض النفسى، فالمخ هو العضو الوحيد القادر على إصلاح اضطراباته، وقد صار العلاج الدوائى فى الأمراض النفسية، وهذا ما قاله د. عكاشة فى الحملة، ليس منومات ولا مهدئات ولا مطمئنات، ولكنه علاج متخصص لكل مرض، علاج القلق غير علاج الفصام، مختلف عن الوسواس، وهذا المهدى المنتظر وأى مهدى منتظر، لو استمر المحيطون به فى رجمه بالحجارة وسبه وشتمه، سيتضخم عنده إحساسه بأنه منبوذ وحياته مهمشة ومن الممكن جداً أن ينتهى به الحال إلى الانتحار، وطبقاً للمادة ١٣ من قانون رعاية المريض النفسى، فإن المريض النفسى الذى يرفض العلاج بالرغم من أن استمرار المرض يؤدى إلى خطورة على المجتمع وعلى نفسه، من حق الدولة ومن واجبها أن تعالجه وتحجزه فى المستشفى.
تعاطفوا ولا تسخروا من المريض النفسى، عالجوه بالدواء وعاجلوه بالاحتواء.