بقلم : خالد منتصر
لحظة أن ضغط إرهابى الدرب الأحمر على زر التفجير، وجذب صمام الأمان، وفك كوابح حزامه الناسف، لحظة عبثية، قراءتها وفك شفرتها توفر علينا الكثير، وتساعدنا على إجابة سؤال عويص، وهو «كيف يستهين شخص ما بأهم غريزة إنسانية، ألا وهى غريزة الحياة؟!»، كيف لإنسان مثلنا من المفروض أن يفزع ويُغمى عليه عند مشاهدة دم ينزف من عقلة إصبعه، أن يمزق نفسه أشلاء، أكبر جزء فيها أصغر من هذا الإصبع؟!، إنها الفكرة المخدرة التى تُفرمِت العقل والإحساس والروح، تزيف وعيه وتصنع وعياً جديداً لا إنسانياً، يرى الآخر ذئباً، ويرى نفسه هو وجماعته ملائكة أطهاراً منزهين، وكلاء الله على الأرض، محتكرى الحقيقة، لحظة الضغط على الزر لمعت فى ذهنه أثداء حور العين الكواعب اللاتى ينتظرنه فى الفردوس، هو فى قمة الاستعجال والسربعة، سبعون حورية يقتله ظمأ الشبق إلى الارتماء فى حضن كل واحدة منهن سبعين سنة من النكاح المتصل الذى لا يهدأ إلا لاستعادة البكارة، هكذا قال له شيخه وأميره وبالوثائق، منتهى الثقة فى التفجير وتمزيق نفسه، نظرة احتقار يودّع بها المكان وسكانه، يرى الجميع هوام وحشرات كافرة لا تستحق الحياة، رجال الشرطة الذين يهرولون خلفه هم حماة الطاغوت من وجهة نظره، السيدة الغلبانة التى تحمل شنطة الخضار لتلحق بالعيال فى البيت تعيش عيشة جاهلية، فهى غير منتقبة، كل سكان الجمالية والغورية والدرب الأحمر، بل سكان مصر والعالم العربى، بل سكان العالم كلهم يعيشون فى جاهلية، لمعت فى ذهنه الجمل المأثورة التى حفظها من «الظلال» لسيد قطب، المجلد الثانى، حين قال:
«ارتدّت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا اللّه، وإن ظل فريق منها يردّد على المآذن: «لا إله إلا الله» دون أن يدرك مدلولها... إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله. فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية. ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء.. البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يردّدون على المآذن فى مشارق الأرض ومغاربها كلمات: «لا إله إلا الله» بلا مدلول ولا واقع.. وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة، لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد».
أنا جندى من جند الله، أنفذ حكم الله الذى لا حكم إلا حكمه، والذى أمرنا بقتالهم «حيث ثقفتموهم»، هكذا فسّروها لى، وهكذا علمنى الداعية الذى تعلمت على يديه، وهكذا أبلغتنى جماعتى من أصحاب الأيدى المتوضّئة الذين أنتظرهم فى الجنة إن شاء الله، تردّدت تلك العبارات، وحملتها مساراته العصبية إلى أصابعه، التى ضغطت على زر التفجير، ما زال يذكر صفحة «معالم فى الطريق» كأنه قد قرأها بالأمس:
«يدخل فى إطار المجتمع الجاهلى تلك المجتمعات التى تزعم لنفسها أنها مسلمة.. لا لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا لأنها تقدّم الشعائر التعبّدية لغير الله أيضاً، لكنها تدخل فى هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده فى نظام حياتها، فهى -وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله- تعطى أخص خصوصية الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها».
وهو يجرى بالدراجة مرتدياً الكمامة والكاب، كانوا يصرخون يا مجرم، ده انت جنب الأزهر، وكانوا على ثقة من أنه لن يفجّر نفسه فى منطقة تضم بيتاً من بيوت الله، بل هو أشهر تلك البيوت، لكنه كان يعدو بكل قوته، أعمى البصيرة، فكل المساجد ضرار إلا مساجد عصابته وجماعته، استدعى ما قرأه فى «الظلال»، الجزء الثالث، الذى يقول:
«اعتزال معابد الجاهلية، واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلى، وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح، وتزاول بالعبادة ذاتها نوعاً من التنظيم فى جو العبادة الطهور».
من ضغط على زر التفجير ليس الحسن عبدالله، إن أصابعه فقط هى التى ضغطت، لكن المخ الذى أمر، والعضلة التى حركت، والروح التى استفزت، والفكرة التى خدّرت، والنصوص التى غيّبت، تقبع هناك محمية بترسانة من السدنة، من المؤلفة جيوبهم، والمدهش أننا نُنفق على هؤلاء لقتلنا، وندعم أولئك لذبحنا، ونفتح لهم المنابر تعليماً وإعلاماً، للتحريض على تفجيرنا، هل الإرهابى هو المغيب أم نحن المغيبون؟.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع