بقلم: خالد منتصر
تتميز مدرسة الخارجية المصرية بأنها ليست مؤسسة جامدة، لكنها على العكس، فهى من أكثر المؤسسات مرونة وقابلية للتطور والتغيير مع الأحداث الخارجية والداخلية، لديها ميزان ذهب حساس ولا يتناقض رسوخ عراقتها مع أناقة حداثتها، وهذا يعتمد بالأساس على كتيبة السفراء الذين يتم اختيارهم وترشيحهم من قِبل وزير الخارجية المحنك سامح شكرى، والذين هم على أعلى مستوى من الثقافة والمهنية والوطنية والذكاء، وهذا ما لمسته فى مقابلتى وحوارى مع السفير عمر سليم، سفيرنا لدى إسبانيا، فقد لمست فيه الثقافة والاستنارة واتساع الأفق وحب مصر المحروسة الذى يسرى فى الروح ويسكن الوجدان حتى النخاع، وعرفت أن هذا العشق المصرى يسرى فى الجينات ويكمن فى الجذور، يكفى أن الجد هو سليم حسن صاحب أكبر موسوعة ومرجع لمصر القديمة، إنه صورة مشرّفة لمصر فى أوروبا، وما يفعله السفير عمر سليم هو تطبيق عملى لشعار الخارجية المصرية، «قدرات وإمكانيات السياسة الخارجية كلها موظفة لخدمة الداخل».
ولنتحدث بالأرقام، فقد زاد معدل نمو الصادرات المصرية إلى إسبانيا بنسبة ٥٧٪، وهو أعلى رقم، مما يعتبر قفزة هائلة وعظيمة رغم انخفاض الصادرات البترولية، فإنه تم التعويض من الصادرات السلعية، خاصة الموالح لدولة هى فى الأساس أكبر مصدر موالح للاتحاد الأوروبى، ويتم الآن تصنيع الصوب الزراعية فى مصر من خلال الاستعانة بالخبرة الإسبانية، ومن أهم أوجه التعاون المبشّرة بين مصر وإسبانيا مجال النقل، حيث سيتم توريد ستة قطارات إسبانية على أعلى مستوى من الراحة والرفاهية والتكنولوجيا والأمان بعقد صيانة ثمانى سنوات، وهى على الخط ما بين مصر والإسكندرية، أما أحدث مجالات التعاون ففى مجال الطاقة المتجددة النظيفة، محطة توليد طاقة بالرياح فى العين السخنة مصروف عليها من ثمرات التعاون المصرى - الإسبانى بأقل فائدة.
أما على الصعيد السياسى فالتفاهم المصرى - الإسبانى على أعلى مستوى، حفاظاً على استقرار المنطقة، أما التعاون الثقافى المصرى - الإسبانى فهو شىء مشرف بالفعل، وقد لمسته بنفسى حين أثمرت جهود السفير عمر سليم الناجحة عن عرض فيلم «يوم الدين» هناك فى البيت العربى، حيث امتلأت القاعة بالجمهور فى جميع حفلاته، بكل ألوان الطيف، ولاقى نجاحاً رائعاً، وهناك أيضاً بعثة التنقيب الإسبانية عن الآثار، التى لها وقت طويل هنا فى مصر، أما الندوات الثقافية ومعارض الفن التشكيلى فى المركز الثقافى الإسبانى التى تتم بشكل شبه أسبوعى، فهى وقود عقلى وروحى واحتفالية تفاهم تعبر عن مدى أهمية القوة الناعمة المصرية.
من الصعب فى المجال السياحى أن تقنع سكان أهم دولة سياحية فى العالم بأن تسافر للسياحة خارج أوروبا، لكن هذا ما حدث بالفعل، فقد زاد معدل الرحلات إلى سبع رحلات طيران أسبوعياً ما بين مدريد والقاهرة ورحلة أسبوعية ما بين مدريد وأسوان، وخمس رحلات من برشلونة، بخلاف الشارتر، وقد زادت سياحة الإسبان إلى مصر من ٣٣ ألف سائح إلى ٧٠ ألفاً، ومتوقع فى العام القادم أن يصل الرقم إلى ١٠٠ ألف، وهذا رقم كبير لجمهور يعتمد على السياحة الثقافية والآثار وخلافه، لا الشاطئية.
وهناك مشروع رائع تم برعاية السفارة هناك، وهو مشروع المائة مليون شجرة زيتون، بإشراف أفضل دولة فى هذا المجال على مستوى العالم، مجالات التعاون والنجاح فى العلاقات المصرية - الإسبانية، كلها تبشر بالخير وتبث الأمل من خلال العقلية المنظمة المنهجية الهادئة لمدرسة الخارجية المصرية العريقة المتميزة التى بالفعل تدعو إلى الفخر.