بقلم: خالد منتصر
تذكرت مكتب التنسيق وأنا أشاهد السلفيين يقررون إخراج د. مجدى يعقوب من الجنة وجرجرته إلى النار، الثقة التى يتحدثون بها جعلتنى أتشكك فى أن لديهم مكتب تنسيق خاصاً ونتيجة معتمدة يعرفونها من الكونترول قبل باقى البشر، حيث يحتكرون توكيل قطع غيار الفردوس حصرياً!، تذكرت قبل عصر الكمبيوتر حين كنا نقف فى هجير الشمس على أبواب مكتب التنسيق نلصق طوابع الكليات وكوبونات الجامعات، ونظل أسبوعاً نضرب أخماساً فى أسداس منتظرين خطاب التنسيق الذى سيخبرنا أين ذهبنا، وأى الكليات قد قبلت أوراقنا، أظن أن المشايخ والدعاة قد افتتحوا مكتب تنسيقهم الاسبشيال الحصرى الذى يوزع البشر على الجنة والنار، لكن الفرق أن مكتب تنسيقنا الأرضى من الممكن الطعن فيه والتحويل من كلية إلى كلية طبقاً للتوزيع الجغرافى، لكن مكتب التنسيق السماوى الذى يمتلكه مشايخ السلفية لا طعن فيه ولا احترام فيه للتوزيع الجغرافى أو التنوع المذهبى!، شيخ وداعية شهير بعضلاته المفتولة وبأنه الفتى المدلل للمؤسسة التى تصرف ١٦ ملياراً لتخرج لنا استنساخات هذا الشيخ من محتكرى الجنة ومالكى مفاتيح وكوالين الفردوس، ومعه ابن داعية سلفى شهير اشتُهر بأنه أعلم أهل الأرض بعلم الحديث وشارك فى افتتاح ماسورة الاعتذارات الشهيرة التى فُتحت علينا منذ عدة أسابيع، وداعية هارب فى تركيا، وآخر شارك فى قتل ضباط وجنود مديرية أمن أسيوط فى أعقاب حادث اغتيال السادات، كل هؤلاء أعلنوا بعد تكريم قديس الطب د. مجدى يعقوب فى دبى أنه برغم كل هذا لن يدخل الجنة، وشكك البعض منهم فى قدراته الطبية واتهموه بأن اليهود هم الذين يجرون لمرضاه الجراحة، وبأنه يزرع صمامات الخنازير فى قلوبهم المؤمنة، وقد اعتمدوا جميعاً فى عملية طرده من الجنة على تفسير الشيخ الشعراوى فى إحدى حلقاته الشهيرة بأن من أسدوا إلى البشرية عطاءات واكتشافات واختراعات علمية عظيمة قد أخذوا حظهم من التكريم فى الدنيا وأقيمت لهم التماثيل، لكن لأنهم غير مسلمين فلن يأخذوا هذا الحظ فى الآخرة لأنهم كانوا يعملون من أجل الدنيا، ونيتهم وغرضهم كان الأرض لا السماء، بورصة البزنس الدينى تعتمد فى حركة صعودها وهبوطها على مدى نجاح سماسرة الدين فى ترويج أسهم الجنة والنار، لذلك يقاتلون بشراسة فى هذه الحلبة، لكن لماذا تفجرت أزمة الجنة والنار مع د. مجدى يعقوب بالذات؟، الإجابة بسيطة، لأن «يعقوب» وضعهم فى مأزق إنسانى ووجودى ودينى، وضع كل العواطلية ومدمنى البطالة فى ركن الحلبة الضيق، عرّاهم وفضحهم، فهو السير مجدى يعقوب الذى يعيش فى أجمل بقاع الدنيا، والذى ربح كل شىء؛ المال والشهرة والمكانة والسمعة، والعادى والطبيعى والمتوقع أن يقضى الباقى من حياته يتمتع بهذا النعيم، لكن هذا القديس وذلك الملاك جاء إلى أقصى الصعيد فى وطنه الذى هاجر منه منذ ستين عاماً وفى ظروف قهرية كلنا نعلمها وكان من المفروض أن تجعله تلك الظروف ناقماً منتقماً، جاء ليعالج ويطبطب على قلوب الغلابة، دون أن يسأل عن ديانة مريض أو جنسه أو عرقه أو سلطته، هبط بقوة وثبات ولخبط كل غزل شبكة السماسرة الجهنمية الذين يبيعون مخدر الوهم والخداع للبسطاء باللحية والجلباب وشقشقات البلاغة والسجع والجناس، أقصى ما يفعلونه هو اللعب فى أصابع أقدامهم أثناء نومهم فى الظل قتلاً للوقت، بينما مجدى يعقوب فى غرفة الجراحة يزرع شريان حياة أو يرتق صمام قلب منهك أو يزرع نبضاً كان قد فتر وغاب، بينما صاحبه على شفا الموت يقاتل من أجل شهيق يمنحه الأمل، بدأ البسطاء يتساءلون: «معقول هذا الملاك يدخل جهنم؟»، بدأوا يطرحون أسئلة وجودية وفلسفية أكثر جذرية عن معنى العدل الإلهى الذى يحسونه بالفطرة رغم حواجز وركام الفتاوى والعنعنات، باختصار مجدى يعقوب كان مبعوث العناية الإلهية لإغلاق بوتيكات التجارة الدينية السلفية، وهذا هو سبب الكراهية له والحقد عليه، شكراً لمجدى يعقوب أن سمح لنا بأن نشاركه جنته على الأرض.