وصلنى مقال من الصديق د. توفيق حميد، الذى يعيش فى واشنطن، وهو خريج الكلية نفسها (طب قصر العينى) وأهمية كلامه أنه كان منتمياً للجماعة الإسلامية وعرفهم عن قرب قبل أن ينسلخ منهم ويتغيّر تفكيره ١٨٠ درجة، ليصير واحداً من أهم المفكرين المسلمين فى الخارج، الذى يتمتع بحجة قوية ومفحمة تلجم الفاشيين، خاصة فى مواجهاته على قناة «الجزيرة»، تقول رسالته:
مما لا شك فيه أن هناك كثيراً من المسلمين المسالمين والمعارضين لكل أنواع العنف الدينى.
لكن مشكلة «التطرّف» الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، وتتمثل فى عدم وجود تعريف واضح لمفهوم «التطرّف». غياب التعريف الواضح للتطرّف يعنى ببساطة أن البعض قد يرى أن «داعش» على سبيل المثال منظمة معتدلة، فهى تطبّق الكثير من أسس الشريعة كما أقرها معظم الفقهاء.
فـ«داعش» تقتل المرتد، وترجم النساء فى الشوارع بتهمة إشاعة الفاحشة أو الزنا، وتلقى بالمثليين من مكان مرتفع حتى يموتوا بلا رحمة، وتشرّع ضرب النساء وبيعهن فى الأسواق كرقيق.
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا: وهل هناك مفهوم آخر للشريعة عند رجال الدين الإسلامى ينكر هذه الممارسات البشعة؟ هل وجدنا أو سمعنا عن إحدى المؤسسات الإسلامية «المعتدلة»، مثل مؤسسة الأزهر مثلاً، تعترض على هذه الأشياء؟ أم أنهم يقرونها فى كتبهم ومراجعهم الدينية؟!
هل إباحة خطف النساء فى الحروب واسترقاقهن واغتصابهن هو اعتدال أم تطرف بشع؟
هل رأينا طول عمرنا الآلاف من المسلمين «المعتدلين» يتظاهرون ضد هذه الجرائم، التى تُرتكب فى حق الإنسانية تحت مسمى الشريعة الإسلامية، كما تظاهروا ضد فرنسا عندما اتخذ قرار منع الحجاب فى المدارس؟
وهل رأينا فى حياتنا أى نظام ممن يطبّق «الشريعة الإسلامية»، مثل النظام الإيرانى وجماعة طالبان وبوكو حرام فى نيجيريا والشباب فى الصومال وغيرهم يطبّق شيئاً مختلفاً عن المفهوم التقليدى للشريعة؟
هل هناك، ولو واحد، ممن يسمون بالفقهاء الأربعة، أى الشافعى والمالكى والحنبلى والحنفى، اعترض على مثل هذه التعاليم؟
والعجب العجاب هنا أن فقهاء الإسلام اختلفوا فى «حجم» الحجارة التى يرجمون بها الزانية، ولم يختلفوا أبداً فى مبدأ الرجم حتى الموت كعقاب للزناة المحصنين (أى المتزوجين!).
والأشد عجباً من ذلك أن يأتى أناس اليوم يطالبون العالم باعتبار الإسلام ديانة معتدلة، رغم عدم وجود مؤسسة إسلامية واحدة معترف بها تدرس مفهوماً آخر للشريعة، أى مفهوم يرفض أو يعترض بوضوح على هذه المفاهيم البالية، التى تصل إلى درجة الإجرام بكل معايير الحرية والكرامة الإنسانية.
الكارثة فى عدم وجود معيار للتطرّف الإسلامى، تكمن فى أنه لا يمكن مجابهة أى شىء دون وضع معيار أو معايير واضحة له. فعدم وجود معايير للتطرّف هو مثل عدم وجود معايير تحديد رقم معين لدرجة الجلوكوز (السكر) فى الدم كى نعتبر أن الشخص مصاب بداء السكرى.
ولكم أن تتصوروا كيف نعالج السكر؟ أو كيف يدرك الإنسان أنه مصاب بمرض السكر دون وجود هذا المعيار، وكذلك الحال، فمحاولة مقاومة التطرف أو محاولة «تجديد الخطاب الدينى» دون وجود معيار واضح لمواطن العنف والوحشية فيه ضرب من الجنون!
ولنا هنا أن نضع بعض الأسئلة لنُحدّد من هو المتطرف!
هل قبول قتل إنسان مسلم لأنه أراد أن يؤمن بدين آخر اعتدال أم تطرف؟
هل إباحة ضرب الزوجة هى درجة من درجات الاعتدال أم هى تطرف؟
هل رجم إنسانة حتى الموت وتكسير عظامها بالحجارة، لأنها قامت بعلاقة عاطفية خارج إطار الزواج الشرعى، هو اعتدال أم تطرف؟
هل إباحة خطف النساء فى الحروب واسترقاقهن واغتصابهن تحت دعوى أنهن «سبايا حرب» هى اعتدال أم تطرف بشع؟
هل اعتبار اليهود قردة وخنازير اعتدال أم تطرف؟
هل إعلان الحرب على الآخرين، وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو القتل، هو اعتدال أم تطرف؟
فمن لا يعترض على مثل هذه الأشياء، ليس له أى حق أن يتهم جماعات مثل الإخوان المسلمين أو السلفيين بأنهم «متطرفون»، فهو فى الواقع لا يختلف عنهم فى شىء.
والفارق الوحيد بينهم أن الجماعات الإسلامية، وللأسف الشديد، لديها الجرأة على تنفيذ ما تؤمن به، على عكس المتطرفين السلبيين الذين يؤمنون بكل ما تؤمن به الجماعات المتطرّفة، لكن لا يجرأون على تنفيذه مثلهم، وهم بذلك يدعمون المتطرفين عقائدياً باتفاقهم معهم على وجوب مثل هذه المبادئ الدينية.
باختصار، على من لا يعترض على هذه المفاهيم فى الفقه الإسلامى أن يدرك جيداً أنه هو الآخر متطرف وليس مسلماً معتدلاً كما يتصور.
والآن فليسأل كل واحد منا نفسه هل هو معتدل أم متطرف؟