بقلم : عـــلاء ثابت
ليس الهدف من هذا المقال إطلاق فتوى دينية بشأن وجوب المشاركة في الانتخابات سواء الرئاسية أو الانتخابات الأخرى البرلمانية والمحلية والنقابية والطلابية وانتخابات الأندية ..إلخ، ولكن الهدف وضع الأمور في نصابها في ظل حالة الضبابية التي يصدرها البعض للرأى العام. فالثابت أن المشاركة في الانتخابات باعتبارها إحدى أهم إجراءات العملية الديمقراطية تدور نسبتها فى كل دول العالم حول نصف عدد من لهم حق التصويت فى الانتخابات، وهى بهذا المعني تكاد تكون فرض كفاية، أى أنه لا يلزم أن يشارك كل من له حق التصويت. ولم يحدث في أي من تلك الدول أن ادعت المعارضة أن تواضع تلك النسبة راجع إلى موقفها وإحجامها عن المشاركة أو حتى دعوتها للمقاطعة إن حدث، ولا أظنه حدث في دولة لديها معارضة حقيقية مهيأة ومستعدة وتسعى للوصول إلى السلطة. والثابت أيضا أن هناك العديد من العوامل والمحفزات التى تدفع المواطنين للمشاركة فى الانتخابات تختلف من بلد لآخر ومن شخص لآخر ومن فترة لأخرى. والثابت أيضا أن تنظيم انتخابات نزيهة تمكن المواطنين من الإدلاء برأيهم حق أصيل من حقوق المواطنين باعتبارها الوسيلة المثلى لمحاسبة أو مكافأة من انتخبوه. بمعنى أن إعادة انتخاب من سبق انتخابه تعني أنه كان عند ثقة المواطنين التي حصل عليها ويعنى إقرارا منهم بسلامة المنهج الذى اتبعه خلال فترة انتخابه، أما إذا لم يمنحوه ثقتهم فيعني عقابا له وإقرارا منهم بأنه لم يلتزم بتحقيق إرادتهم. ومن هنا فإن الانتخابات تمثل للمعارضة الفرصة الأهم والأكبر للإعلان عن نفسها وتأكيد وجودها ومدى شعبيتها وسلامة ما تطرحه من رؤى وسياسات مختلفة عما يطرحه وينفذه من يحكم.
بعض أطياف المعارضة فى مصر قرروا عدم المشاركة فى الانتخابات سواء بالترشح للانتخابات أو بالتصويت فيها، وهو موقف غريب لما له من تداعيات سلبية ليس علي النظام الحاكم ولكن على المعارضة نفسها. فقرار المعارضة مقاطعة الانتخابات هو بمثابة شهادة دامغة منها على إفلاسها وعجزها عن المنافسة للوصول إلى السلطة وتأكيد أنها لا تجيد سوى المعارضة المجانية التي لا تغادر حدود الغرف المغلقة وفى أحسن الأحوال تنتشر على صفحات التواصل الاجتماعى وشاشات التليفزيون. ومع ذلك تبقى المشكلة الأساسية هى توجه البعض أو بالأحري تحريضه للمواطنين على عدم المشاركة في الانتخابات. وفى تقديرى فإن ذلك الموقف من المعارضة ينطلق من حسابات ضيقة للغاية ترتكز علي «المكايدة» السياسية ومحاولة إحراج النظام القائم، ظنا منها أن ذلك يعنى بالضرورة رصيدا أو انتصارا لها. وتتغافل تلك المعارضة عن أنها ستعانى كثيرا من انصراف المواطنين عن المشاركة فى الانتخابات وعن الاهتمام بالشأن العام.
وفي هذا السياق لابد من التأكيد علي أمرين أساسيين، الأول أن المشاركة في الانتخابات المقبلة والدعوة أو حث المواطنين علي ذلك لم تعد فرض كفاية بل إنها فرض عين، علي اعتبار أنها مشاركة من أجل مصر الدولة وحماية لمسيرتها نحو التحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية بعيدا عن الاعتبارات الانتخابية الضيقة، ففوز الرئيس السيسي ليس محل شك حتي من جانب المعارضة. إضافة إلي أن مصر في ظل الظروف والتحديات التي تواجهها لا تملك ترف الرجوع إلي المربع صفر مرة أخري ولا تملك ترف التضحية بما تحمله المصريون منذ ثورة 30 يونيو حتي نصل إلي الحالة التي وصلنا إليها اليوم من «عودة» الدولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى بعدما كادت تضيع أمام أعيننا فريسة للفوضى أو المشروع الإخوانى.
الأمر الثانى أنه إذا كانت المعارضة قد أهدرت فرصة المنافسة على الرئاسة، فإن الوقت ما زال أمامها كى لا تهدر فرصة جديدة وذلك بعودتها عن قرار الدعوة إلي المقاطعة، وتبني فكرة المشاركة الإيجابية في الانتخابات بصرف النظر عن الرغبة التى سيعبر عنها المشاركون أمام صندوق الانتخابات. وبكل تأكيد فإن تراجع بعض الشخصيات التى نسب إليها التوقيع علي دعوات مقاطعة الانتخابات ونفيها توقيعها علي تلك الدعوات وموقف شباب القوي المعارضة الذين يرون فى المقاطعة عودة إلي ما قبل ثورة يناير 2011، يمثل بارقة أمل في أن نتفق جميعا على أن المشاركة في الانتخابات فرض عين علينا جميعا، وفي أن نقضى على الاستقطاب الوهمى الذى يفرضه علينا البعض.
نقلاً عن الآهرام القاهرية