بقلم - عـــلاء ثابت
نشهد تطورات سريعة فى علوم وتقنيات التأثير النفسى على الشعوب وأساليب تأليب الرأى العام وتفجير احتجاجات جماهيرية، وهناك شركات ضخمة تجرى البحوث وتنظم الدورات لشباب من مختلف أنحاء العالم على كيفية إثارة الجماهير واستغلال الأزمات فى إحداث تصدعات بالدول المستهدفة، وهناك قوائم طويلة بهذه الشركات ورعاتها ومموليها واللافتة الجذابة المعلنة هى «نشر الديمقراطية»، لكن الهدف الحقيقى هو إحداث تصدعات وشروخ داخل الدولة المستهدفة تجرها إلى انهيار واسع فى مختلف المؤسسات، ما يفتح الطريق أمام الفوضى وأحيانا تندلع حروب أهلية يأتى بعدها التدخل الدولي.
ومن أهم أدوات التأثير النفسى إطلاق الشائعات والتى أصبحت أكثر الأسلحة النفسية تأثيرا مع التطور التقنى الهائل فى الاتصالات والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، وهو ما جعل للشائعات أدوات تنقلها إلى أعداد هائلة وبسرعة كبيرة، وحتى تنال الكثير من المصداقية يتم نشرها على عدة مواقع وبأدوات مختلفة بما يوحى أن وجودها ونشرها الواسع يدل على صحتها.
وهناك مراكز ومجموعات مدربة تتولى إنتاج ونشر الشائعات حسب الظروف التى تمر بها الدولة، فالشائعات لها درجات متفاوتة فى الخطورة ويجرى انتقاء الشائعات التى يمكن أن تنال قدرا أكبر من التصديق ولا يهم أن تفشل شائعة أو عشر شائعات أو حتى ألف فماكينة الشائعات سريعة الدوران وتنتج الكثير، والشائعة التى لا تصيب لا تضر، بل إن تكثيف الشائعات وتنوعها يعطى لها فرصة أفضل فى تهيئة المناخ لاستقبال شائعات جديدة، وأهم دور للشائعات هو إضعاف الثقة فى مؤسسات الدولة وإظهارها إما فاشلة أو أنها معادية لمصالح الناس، أو بأنها تعامل الناس بتفرقة وهذا التركيز على التشكيك فى مؤسسات الدولة لا يستهدف إصلاح عيب أو خطأ وإنما هز الثقة فيها، ليكون تدميرها والتخلص منها هو الهدف، وفى حالة وقوع أى أزمة يصبح من السهل تدمير تلك المؤسسات واستهدافها بالأعمال التخريبية لوجود ضغائن تم دسها فى أخبار مفبركة أو شائعات.
وهناك أنواع من الشائعات يمكن أن تختلق أزمة اقتصادية مثل أخبار عن اختفاء بعض السلع من الأسواق فيسرع الناس لشرائها بكميات كبيرة وتخزينها، فيؤدى هذا السلوك إلى اختفاء السلع فعلا وارتفاع أسعارها، وبالتالى تكون الشائعة قد حققت أهدافها، والأمثلة كثيرة فى هذا المجال، ومنها انهيار البورصة أو انخفاض قيمة العملة، وهذا النوع من الأخبار مؤثر للغاية فى سلوك الناس ويحدث تأثيرات كبيرة فى الاقتصاد ويؤدى إلى أزمات حقيقية إذا صدقها الناس.
كلنا سمعنا عن الحركة المسماة «6 إبريل» وشاهدنا ما قاله عدد من أعضائها على قنوات أجنبية عن تدريبهم فى صربيا على أيدى مؤسسة تسمى «كانفاس» وإذا اطلعنا على برامج تدريب هؤلاء الشباب يمكن أن نعرف بسهولة كيف يتم تجنيد شباب تحت شعارات براقة ثم استخدامها فى ضرب بلدهم وليس حل مشاكلها وكيف يختارون الشعارات ويبثون الأخبار الملفقة ويستخدمون وسائل حديثة تساعدهم فيها شركات اتصالات وتواصل اجتماعى عالمية ويدربونهم على مهارات تلفيق الصور وليس الأخبار فقط وكيف يتم تمريرها عبر مواقع التواصل وكأنها معلومات ذات مصداقية وهذه عينة بسيطة من عشرات مراكز التدريب والبحوث والاتصالات الضالعة فى هذه العمليات التى لا تقل خطورة عن الاحتلال.
لم تعد الدول الكبرى تريد استخدام جيوشها فى القتال من أجل احتلال الدول وتتكلف المليارات بل التريليونات فى حروب غير مضمونة النتائج فالاختراق من الداخل أسهل وأقل تكلفة ولا يسقط جنودها قتلى ولا يحتج الرأى العام داخلها فهى تستخدم شباب الدولة المستهدفة لإسقاطها من الداخل وغالبا ما يؤدى السقوط إلى دمار واسع وتخريب فى الوعى والمشاعر.
وحتى نتجنب ذلك النوع من الحروب هناك مسئوليات تقع على المواطنين الواعين الذين عليهم اكتشاف هذه النوعية من الشائعات والأخبار الملفقة أو المبالغ فيها وألا يساعدوا فى نشرها على الأقل، وتتبع مصادرها، لكن أهم الأعباء تقع على الصحف التى قد تسقط فى فخ مثل هذه الأخبار وعندما تجد أن عدة مواقع نشرتها تسارع بنشرها خوفا من أن يضيع عليها نشر خبر مهم فتصبح شريكة فى نشر هذا النوع من الأخبار والشائعات ولهذا عليها أن تخصص عددا من محرريها الأكفاء لمهمة فرز وتتبع مصادر الأخبار المثيرة للريبة والشكوك وأن تتصل بالمؤسسات التى تتناولها تلك الشائعات أو الأخبار وأن تحرص على نشر الحقائق لتكتسب الثقة ولا تتعرض للتشكيك وأن تساعدها الأجهزة التنفيذية فى الدولة بسرعة الإعلان عن المعلومات وألا تتأخر كثيرا، لأن الوقت مهم للغاية وكلما تأخر نشر الحقيقة انتشرت الشائعات، فلا يمكن تجاهل حادث ما أعلنت عنه وكالات أنباء أو صحف أو فضائيات، والاعتقاد بأن عدم النشر والتجاهل أفضل لأن هناك من يستغلون هذا الغياب أو التأخير لينشروا الأكاذيب، وإذا وقع القارئ أو المشاهد فى براثن الأكاذيب فإن تصحيح المفاهيم سيكون أصعب.
إن حروب المعلومات سريعة التقدم فى مضمونها، وأدواتها تفرض علينا أن ندرس تلك الأساليب بعناية وأن نطور فى أدائنا وأن تتكامل جهود المواطنين الواعين مع مؤسساتنا الصحفية والإعلامية وأجهزة ومؤسسات الدولة، وأن نكون أول من يعلن عن الأحداث قبل غيرنا وأن تراعى مؤسساتنا أن تظل دائما مهنية وصادقة حتى تحظى بثقة القراء والمشاهدين، ومن شأن تضافر هذه الجهود أن نتجنب ويلات واحدة من أقسى وأقذر الحروب.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع