بقلم - عـــلاء ثابت
إصرار الرئيس عبدالفتاح السيسى على أداء صلاة العيد مع أبناء وأسر الشهداء له كثير من الدلالات، فالرئيس يؤكد لكل أسرة شهيد أن تضحيات الشهداء أضحت قبسًا من النور والأمل يعم ربوع مصر، ويزيح عنها ظلمات الإرهاب والقتل والتدمير والتخلف.
لولا تضحيات الشهداء بأرواحهم لكانت مصر مرتعًا للإرهاب، ودفعت ثمنًا أفدح من الدماء والدمار، ولظلت تعانى لسنوات، وربما لعقود طويلة، الخسائر الناجمة عن الإرهاب، مثلما الأوضاع فى سوريا والعراق وليبيا، فقد أنقذتنا تضحيات شهداء مصر من ذلك المصير الأسود، الذى كان ــ ولا يزال ــ يتربص بها، لكن ما تحقق من إنجازات أمنيّة ودحر الإرهاب وضرب معاقله أبعد عنا ذلك الكابوس الأسود، لننظر إلى المستقبل بتفاؤل وإصرار على البناء والتقدم. ومشروعات تطوير قناة السويس وشرق بورسعيد والمدن الجديدة والأنفاق التى تربط سيناء بباقى الأراضى المصرية تحمل لنا الكثير من الأمل فى مستقبل واعد.
كانت دماء شهدائنا اللبنة الأولى فى التطلع إلى المستقبل، والدافع الكبير لكى نواصل التحدى، فمن بذلوا أرواحهم كانوا نبراسًا وشعلة مضيئة لكى نتحمل تكلفة بناء المستقبل، فالتضحية ببعض الجهد والصبر وتحمل المشاق فى طريق البناء سبقتها تضحيات الشهداء بالأرواح والدماء.
يشعر رعاة الإرهاب بالحسرة والهزيمة، وهم يرون روح العزيمة تطل من عيون أبناء مصر، فيدركون أن مكائدهم قد خابت، وأن مصر بخير، وستكون بألف خير مادامت تلك الروح تتأجج فيها، وأن صفحة من التاريخ الأسود لتلك الجماعات الإرهابية قد طويت تمامًا، ولم يعد بالإمكان أن يهدد الإرهاب ورعاته مسيرة مصر، فها هى سيناء تطل علينا بوجه جديد، فالمشروعات العملاقة تمتد بشرايينها إلى أوصال سيناء التى عانت طويلا من الإهمال والإرهاب، ولم تعد محافظة شمال سيناء تعتمد على أنشطة التهريب وحفر الأنفاق التى كانت تحمل الوبال لمصر، وإن كانت قد أثرت شريحة من المتاجرين بأمن مصر من أجل مصالح ضيقة، فالمشروعات الجديدة تحمل الخير لكل أبناء سيناء الذين عانوا طويلا من الجماعات الإرهابية، وقبلها من الحروب، وقد حان الوقت لكى ينعم أبناء سيناء وجميع المصريين بحياة آمنة، تحمل قيمة التضحيات التى بذلها أبناؤنا فى القوات المسلحة والشرطة، وعلينا المقارنة بين ما كان يخططه لنا أعداؤنا وما أصبحنا عليه، فقد كانت مصر الهدف الأكبر والأهم فى المنطقة، لأنها الدولة الأكبر وذات الموقع الفريد والمكانة المتميزة ودرة التاج الذى تحلم به كل الإمبراطوريات الاستعمارية على مدى التاريخ.
لهذا كانت السيطرة على مصر أو تدميرها هى الغاية الرئيسية لتلك الحروب التى أشعلتها الدول الداعمة للإرهاب، فقد كانوا يخططون لأن تقع مصر تحت ضربات الحروب الدامية لجعلها تنزف طويلا، وأن يعمها دمار لا يمكِّنها من النهوض، وأن ينقسم أبناؤها بين فرق متناحرة بفعل الفتن الدينية والطائفية ليظل التفتت والانقسام عنوان خراب ودمار لا يتوقف إلا بعد أن تتحول مصر إلى أشلاء تتقاسمها تلك الأطراف الداعمة للإرهاب. إنها صورة مرعبة لمصر التى كانوا يودون أن يرسموا معالم انهيارها بالدم والدمار والانقسام والتقسيم، لكنهم فوجئوا بالشعب ينتفض سريعًا ويتوحد حول إنقاذ مصر من براثن الإرهاب، واستطاعت مصر بالفعل أن تتخلص منه بتضافر جهود الشعب والجيش بالتخلص من حكم جماعة الإخوان، والقضاء على مخطط الجماعات الإرهابية ورعاتها الإقليميين والدوليين والذى سوف تتكشف فصوله المرعبة تباعًا بعد أن يسقط تمامًا ويختفى من كل المنطقة.
إن مقارنة ما كان يتم تدبيره لمصر وما أصبحنا عليه الآن، هو نتاج تلك التضحيات وتوحد الشعب المصرى، والذى لا يريدون له أن يستمر، لأن استمرار هذا التوحد وتلك الروح سوف يعظم قدرات مصر ويلملم جراحها بسرعة لتنهض وتنقض على خصومها وتستعيد عافيتها، حيث يسعى رعاة الإرهاب بشتى الطرق لتفريق كلمة المصريين بالشائعات حينًا، وبالتضخيم فى بعض الأخطاء أحيانًا، وبالتشكيك فى جدوى ما حققناه وما نضحى من أجله.
إن أهم وصية تركها لنا الشهداء الذين حموا مصر هى أن نجعل من مصر بلدًا آمنًا، ومتقدمًا، وأن نقدم لها ما تحتاجه منا لكى تصل إلى مصاف الدول المتقدمة، وتستعيد المكانة التى تستحقها، وعلينا تحقيق وصيتهم بالعمل والجهد والمثابرة والإصرار وتحمل المشاق، فلا إنجازات ضخمة يمكن أن تتحقق دون هذا الجهد الذى يستحقه بلدنا.
المؤكد أن أرواح شهدائنا تشعر بالطمأنينة والسلام، وهى ترى الرئيس السيسى يحتضن أبناءهم ويرون ابتساماتهم وفرحتهم ويشعرون بالفخر بتضحيات آبائهم، التى جعلت من مصر بلدًا آمنًا، وأعادت البهجة إلى وجوه أبنائهم وكل أبناء المصريين، فهذه الدماء الطاهرة لم تذهب سُدى، فالإرهاب يتبدد تحت ضربات جنودنا وضباطنا من أبناء القوات المسلحة والشرطة، ويزداد الشعب المصرى ثقة فى المستقبل البعيد، ولا يحيد عن سعيه بأن يبنى بلده على أعمدة قوية، وأن تكون تلك المشروعات العملاقة التى بدأ نبتها يظهر نموذجًا لإرادة البناء.
إننا نستقبل العيد اليوم ومنتخب مصر يبدأ أولى مبارياته فى كأس العالم بعد غياب طويل، ويلتف المصريون بجميع فئاتهم ومشاربهم حول منتخبهم الوطنى، وهو التفاف وحماس يحمل الكثير من المعانى، وله مذاق خاص، أهم دلالاته أنه يؤكد إصرارنا على المضى معًا فى طريق واحد نحو الأفضل.
وكل عام ومصر بخير.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع