توقيت القاهرة المحلي 05:23:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخيارات الصعبة

  مصر اليوم -

الخيارات الصعبة

بقلم : عـــلاء ثابت

 تطرقت كلمات الرئيس، خلال مؤتمر الشباب أمس الأول، إلى عدد من القضايا والمفاهيم الجوهرية، تنبع من تشخيص دقيق لمواطن الضعف وكيفية التغلب عليها، ورؤية شاملة للإصلاح على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد تناول الرئيس مفهوم العلاقة بين المواطن والدولة، وتصدى للفكرة السطحية الشائعة والمغلوطة عن هذه العلاقة، فالبعض يدعو إلى أن تواصل الدولة تحمل الأعباء، بدعوى رفع المعاناة عن كاهل الطبقات الوسطى والفقيرة، وهذه النظرة القصيرة المدى تداعب المشاعر، لكنها خطيرة على كيان الدولة، ويمكن أن تؤدى إلى انهيار أعمدتها، تحت وطأة أحمال ثقيلة ظلت الحكومات المتعاقبة تلقى عليها بالمشكلات حتى أصابها الوهن والهزال، ولم تعد قادرة على العطاء. فالدولة تعتمد على مجموع إنتاج مواطنيها، وعندما تتدنى الإنتاجية لا يمكن تحميل الدولة هذا الدور طويلا، لأنها تضطر إلى الاستدانة، وتراكم الديون يجعلها تنوء بالأحمال، وتظل الدولة توسع إعالتها لقطاعات أوسع فأوسع، وتدعم الكثير من العاملين والموظفين بطرق مختلفة، وتحت ضغط كسب الرضا الشعبى تم إلقاء كل هذا العبء على كاهل الدولة، وأصبحت تحتاج إلى من ينقذها بدلا من أن تواصل دورها فى تنمية قدرات مواطنيها وزيادة معدلات النمو، وسد الثغرات فى العملية الإنتاجية والخدمية التى لا يقبل القطاع الخاص الدخول فيها، إما بسبب تدنى الأرباح فيها أو الحاجة إلى رءوس أموال كبيرة لا تدر عائدا إلا بعد فترات طويلة، أو لأنها لا تدر أى نوع من الأرباح وتعرض المستثمر لخطر فقدان أمواله.

هذا الدور الضرورى للدولة هو ما يسعى إليه الرئيس، ويركز على ضرورة أن يتجاوز حجم إنتاجنا ما نستهلكه، لكى يكون لدينا فائض يمكن أن نستثمره فى تطوير جميع القطاعات وتلبية الاحتياجات المتزايدة. أما عندما يفوق الاستهلاك ما ننتجه، فإننا نلجأ إلى مد أيدينا للاقتراض، وليتنا نقترض لكى نرفع من قدراتنا على الإنتاج، بل كنا نقترض من أجل أن نسد الثغرة بين ما ننتجه وما نستهلكه، وبالتالى تتراكم الديون وتزيد أعباؤها، وهو ما حدث طوال العقود الخمسة الماضية.

لقد أشار الرئيس بوضوح إلى الفرق بين مفهوم الدولة الراعية، التى تستهدف توجيه الطاقات، وتحسين القدرات، ومفهوم الدولة المعيلة، التى تتحمل أعباء متزايدة ترسخ مفهوم الاتكالية، وانتقد الرئيس بعض من يدغدغون المشاعر على حساب المستقبل، وقال بكل صراحة «عايزين البلد تقوم وتكون ذات شأن ولا لأ؟.. البلد اللى ذات شأن لازم نضحى ونتعذب عشانها، مش الهدف التعذيب، لكن لازم نتعذب.. ليه؟.. لأن هو دا التحدى»، هكذا يضع الرئيس النقاط فوق الحروف، ويواجهنا بالحقيقة مهما تكن مؤلمة وصعبة، فهو لا يتهرب من المسئولية ولا يراوغ أو يكتفى بوعود براقة، فالدولة تحتاج منا إلى مجهود شاق، لكى تقوم من عثرتها، هكذا بنت الأمم حضاراتها وأمجادها ونهضتها، وأمامنا نماذج الدول الآسيوية التى نهضت من خلال الإنتاجية وتخفيض الاستهلاك، أما الدول التى لم تواجه حقيقة مشكلاتها وتقدم التضحيات من أجل تجاوز محنتها فقد تراجعت مكانتها وزاد أمد معاناة شعوبها.

قدم الرئيس نموذجا واضحا لمثل هذه الخيارات، عندما تطرق إلى قرار رفع سعر تذاكر مترو الأنفاق، وقال إن وزير النقل طلب 30 مليارا لصيانة خط حلوان – المرج، وإذا أجلنا القرار فسيتوقف المترو عن العمل، فهل نستدين لإصلاحه، أم نتحمل كلفة الإصلاح، هذا هو الفرق بين العلاج بالمسكنات التى لا تقترب من مكمن المرض، وبين الجراحة المؤلمة التى تستأصل المرض، ولم يعد أمامنا وقت نضيعه فى اللغو والمناورة، وعلينا اتخاذ القرار وتحمل تبعاته، فالدولة متعبة والمرافق مهددة، والشركات والمصانع يمكن أن تغلق أبوابها فتزداد البطالة، وتستفحل الأزمة.

ولا يتوقف الإصلاح الذى ينشده الرئيس على الجانب الاقتصادى فقط، فقد تناول الإصلاح السياسى، وتوسيع المشاركة السياسية بخطوات جادة ومتأنية، من خلال أحزاب تعرف كيف تفيد بلدها وشعبها، بعيدا عن المزايدات الرخيصة التى لا يمكن أن نجنى من ورائها إلا التخبط والفوضى، وفى هذا المجال قال الرئيس «الحياة السياسية تهدف إلى وجود كيانات قادرة على الدفع بالدولة للأمام، هدفها أن تكون الدولة كبيرة وقوية، أنا شايف هناك أحزاب حاليا فى البرلمان»، ثم أشار إلى أهمية مواجهة الفساد وتجهيز كوادر قادرة على قيادة الدولة ومواجهة التحديات الخطيرة والكثيرة المحيطة بنا.

هذا هو تشخيص الرئيس لجوهر الأزمات التى نعيشها وكيفية مواجهتها.

نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيارات الصعبة الخيارات الصعبة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon