توقيت القاهرة المحلي 20:52:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخيارات الصعبة

  مصر اليوم -

الخيارات الصعبة

بقلم : عـــلاء ثابت

 تطرقت كلمات الرئيس، خلال مؤتمر الشباب أمس الأول، إلى عدد من القضايا والمفاهيم الجوهرية، تنبع من تشخيص دقيق لمواطن الضعف وكيفية التغلب عليها، ورؤية شاملة للإصلاح على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد تناول الرئيس مفهوم العلاقة بين المواطن والدولة، وتصدى للفكرة السطحية الشائعة والمغلوطة عن هذه العلاقة، فالبعض يدعو إلى أن تواصل الدولة تحمل الأعباء، بدعوى رفع المعاناة عن كاهل الطبقات الوسطى والفقيرة، وهذه النظرة القصيرة المدى تداعب المشاعر، لكنها خطيرة على كيان الدولة، ويمكن أن تؤدى إلى انهيار أعمدتها، تحت وطأة أحمال ثقيلة ظلت الحكومات المتعاقبة تلقى عليها بالمشكلات حتى أصابها الوهن والهزال، ولم تعد قادرة على العطاء. فالدولة تعتمد على مجموع إنتاج مواطنيها، وعندما تتدنى الإنتاجية لا يمكن تحميل الدولة هذا الدور طويلا، لأنها تضطر إلى الاستدانة، وتراكم الديون يجعلها تنوء بالأحمال، وتظل الدولة توسع إعالتها لقطاعات أوسع فأوسع، وتدعم الكثير من العاملين والموظفين بطرق مختلفة، وتحت ضغط كسب الرضا الشعبى تم إلقاء كل هذا العبء على كاهل الدولة، وأصبحت تحتاج إلى من ينقذها بدلا من أن تواصل دورها فى تنمية قدرات مواطنيها وزيادة معدلات النمو، وسد الثغرات فى العملية الإنتاجية والخدمية التى لا يقبل القطاع الخاص الدخول فيها، إما بسبب تدنى الأرباح فيها أو الحاجة إلى رءوس أموال كبيرة لا تدر عائدا إلا بعد فترات طويلة، أو لأنها لا تدر أى نوع من الأرباح وتعرض المستثمر لخطر فقدان أمواله.

هذا الدور الضرورى للدولة هو ما يسعى إليه الرئيس، ويركز على ضرورة أن يتجاوز حجم إنتاجنا ما نستهلكه، لكى يكون لدينا فائض يمكن أن نستثمره فى تطوير جميع القطاعات وتلبية الاحتياجات المتزايدة. أما عندما يفوق الاستهلاك ما ننتجه، فإننا نلجأ إلى مد أيدينا للاقتراض، وليتنا نقترض لكى نرفع من قدراتنا على الإنتاج، بل كنا نقترض من أجل أن نسد الثغرة بين ما ننتجه وما نستهلكه، وبالتالى تتراكم الديون وتزيد أعباؤها، وهو ما حدث طوال العقود الخمسة الماضية.

لقد أشار الرئيس بوضوح إلى الفرق بين مفهوم الدولة الراعية، التى تستهدف توجيه الطاقات، وتحسين القدرات، ومفهوم الدولة المعيلة، التى تتحمل أعباء متزايدة ترسخ مفهوم الاتكالية، وانتقد الرئيس بعض من يدغدغون المشاعر على حساب المستقبل، وقال بكل صراحة «عايزين البلد تقوم وتكون ذات شأن ولا لأ؟.. البلد اللى ذات شأن لازم نضحى ونتعذب عشانها، مش الهدف التعذيب، لكن لازم نتعذب.. ليه؟.. لأن هو دا التحدى»، هكذا يضع الرئيس النقاط فوق الحروف، ويواجهنا بالحقيقة مهما تكن مؤلمة وصعبة، فهو لا يتهرب من المسئولية ولا يراوغ أو يكتفى بوعود براقة، فالدولة تحتاج منا إلى مجهود شاق، لكى تقوم من عثرتها، هكذا بنت الأمم حضاراتها وأمجادها ونهضتها، وأمامنا نماذج الدول الآسيوية التى نهضت من خلال الإنتاجية وتخفيض الاستهلاك، أما الدول التى لم تواجه حقيقة مشكلاتها وتقدم التضحيات من أجل تجاوز محنتها فقد تراجعت مكانتها وزاد أمد معاناة شعوبها.

قدم الرئيس نموذجا واضحا لمثل هذه الخيارات، عندما تطرق إلى قرار رفع سعر تذاكر مترو الأنفاق، وقال إن وزير النقل طلب 30 مليارا لصيانة خط حلوان – المرج، وإذا أجلنا القرار فسيتوقف المترو عن العمل، فهل نستدين لإصلاحه، أم نتحمل كلفة الإصلاح، هذا هو الفرق بين العلاج بالمسكنات التى لا تقترب من مكمن المرض، وبين الجراحة المؤلمة التى تستأصل المرض، ولم يعد أمامنا وقت نضيعه فى اللغو والمناورة، وعلينا اتخاذ القرار وتحمل تبعاته، فالدولة متعبة والمرافق مهددة، والشركات والمصانع يمكن أن تغلق أبوابها فتزداد البطالة، وتستفحل الأزمة.

ولا يتوقف الإصلاح الذى ينشده الرئيس على الجانب الاقتصادى فقط، فقد تناول الإصلاح السياسى، وتوسيع المشاركة السياسية بخطوات جادة ومتأنية، من خلال أحزاب تعرف كيف تفيد بلدها وشعبها، بعيدا عن المزايدات الرخيصة التى لا يمكن أن نجنى من ورائها إلا التخبط والفوضى، وفى هذا المجال قال الرئيس «الحياة السياسية تهدف إلى وجود كيانات قادرة على الدفع بالدولة للأمام، هدفها أن تكون الدولة كبيرة وقوية، أنا شايف هناك أحزاب حاليا فى البرلمان»، ثم أشار إلى أهمية مواجهة الفساد وتجهيز كوادر قادرة على قيادة الدولة ومواجهة التحديات الخطيرة والكثيرة المحيطة بنا.

هذا هو تشخيص الرئيس لجوهر الأزمات التى نعيشها وكيفية مواجهتها.

نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيارات الصعبة الخيارات الصعبة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:30 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
  مصر اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon