بقلم - عـــلاء ثابت
بينما اجتهد كثيرون خلال الأسبوع الماضي للرد علي أسئلة أراها ليست في صلب الموضوع بشأن العملية الشاملة «سيناء 2018» التي أطلقتها القوات المسلحة ضد الإرهابيين، من قبيل علاقة توقيت العملية بالانتخابات أو علاقتها بما يثار دائما بشأن ما يطلق عليه صفقة القرن، فإن كثيرين لم يتوقفوا لطرح السؤال الذي يمثل في حد ذاته إجابة شافية وقاطعة علي كل ما يثيره المشككون والمحبطون والمتقولون، وهو هل تلك العملية مطلوبة لمواجهة خطر الإرهاب أم لا؟ وفي تقديري فإن التوقف عند السؤال عن أهمية العملية «سيناء 2018» هو البداية الحقيقية لتحليل القضية وفهم مغزاها ودلالاتها.
لا يختلف اثنان في مصر أو خارجها علي أن مصر تخوض حربا شرسة ضد الإرهاب كما لا يوجد خلاف علي أن مصر عازمة علي استئصال الإرهاب مهما كلفها الأمر. وبكل تأكيد فإن هناك العديد من العوامل أو المحفزات التي دفعت باتجاه إطلاق عملية شاملة للقضاء علي الإرهاب، لعل أهمها هو العملية الإرهابية التي استهدفت مصلين أبرياء في مسجد الروضة بشمال سيناء، وسقط خلالها عدد من المصريين لم يسبق أن شهدته مصر في أي عملية إرهابية، ثم ما تلاها من استهداف طائرة عسكرية في مطار العريش. والحدثان يمثلان بكل تأكيد محطة فارقة في إستراتيجية الدولة لمواجهة الإرهاب.
وثانيا فإن الخبرات التي تراكمت خلال العمليات السابقة التي قامت بها القوات المسلحة والجهود التي بذلت لتحجيم الإرهاب داخليا وخارجيا بدت كافية تماما لإطلاق عملية شاملة واسعة النطاق تشارك فيها القوات المسلحة بكل أسلحتها وأفرعها وقوات الشرطة لملاحقة الإرهابيين في عملية أقل ما توصف به أنها مرحلة توجيه «الضربة القاضية» للعدو. الأمر الذي من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في مسار المواجهة مع الإرهاب، وهي في كل الأحوال رسالة شديدة اللهجة إذا جاز التعبير للإرهابيين ومن يدعمونهم.
أما العامل الثالث الذي دفع باتجاه إطلاق العملية الآن فهو ما أسميه حالة «الهذيان» التي يمر بها الرئيس التركي منذ الإعلان عن باكورة إنتاج الغاز من حقل ظهر بالبحر المتوسط، والتي قد تدفعه لاتخاذ خطوات قد تهدد ذلك الحقل، فكان لابد من رسالة شديدة اللهجة إضافية لأردوغان حتي لا يقدم علي التفكير في اختبار القدرات المصرية وإصرارها وجاهزيتها لحماية - ليس فقط حقل ظهر - ولكن كل المياه الإقليمية والاقتصادية المصرية. وقد حمل البيان السادس للقوات المسلحة بشأن عملية سيناء 2018 تلك الرسالة بشكل واضح حين قال «إنه بالتزامن مع العملية الشاملة (سيناء 2018) نفذت القوات البحرية عددا من الأنشطة التدريبية البارزة بمسرح عمليات البحر المتوسط بإطلاق 4 صواريخ أرض بحر وسطح بحر، وذلك في إطار التدريب علي التعامل مع جميع التهديدات والعدائيات لمياهنا الإقليمية».
إذن تطورات المواجهة مع الإرهاب والمتغيرات في البيئة الإقليمية دفعت جميعها باتجاه إطلاق العملية «سيناء 2018». ولأن الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يحكمه في اتخاذ القرارات سوي المصلحة العليا للوطن بصرف النظر عن تداعيات تلك القرارات علي العملية الانتخابية المزمع إجراؤها في نهاية الشهر القادم كما أشرت في مقال سابق بتاريخ 19 يناير الماضي بعنوان «الانتخابات وحتمية القرارات»، فإنه يصبح من الطبيعي أن يتخذ الرئيس السيسي قرار إطلاق العملية دونما التفات لأي علاقة يبحث عنها البعض بالانتخابات القادمة. ولمن يشككون في ذلك فعليهم أن يعيدوا النظر علي الأقل فيما ساقوه للتأكيد علي وجود علاقة بين «سيناء 2018» وبين الانتخابات ليتأكدوا أنه مجرد سراب. ذلك أنهم في الوقت الذي يؤكدون فيه أنه لا منافسة حقيقية للرئيس في الانتخابات القادمة، فإنهم يدعون أنه يطلق عملية عسكرية من أجل انتخابات يؤكدون أن نتيجتها محسومة! بينما المنطقي أن تلك العملية بما يمكن أن تشهده من خسائر قد تكون في غير صالح الرئيس في تلك المرحلة.
سلامة الوطن ووحدة أراضيه وتوفير الأمان والاستقرار في كل ربوع مصر هو ما تعاقد عليه الرئيس وتعهد به أمام المصريين الذين يؤكد رد فعلهم وترحيبهم ودعمهم للعملية «سيناء 2018» أنهم ما زالوا عند تفويضهم الذي أصدروه قبل خمس سنوات للرئيس السيسي لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه، وأن ثقتهم في القوات المسلحة لإنجاز تلك المهمة لم ولن تتزعزع.
نقلا عن الاهرام القاهرية