إن ارتفاع سعر برميل البترول بواقع دولار واحد يعنى زيادة فى فاتورة الدعم بمبلغ 3.5 مليار جنيه، ومع وصول سعر خام البترول إلى 75 دولارا للبرميل ستصل فاتورة دعم المنتجات البترولية إلى 160 مليار جنيه والعجز فى بند دعم الوقود سيصل إلى 75 مليار جنيه.
هذه حقيقة الوضع الذى تواجهه الحكومة قبل التقدم بالموازنة الجديدة التى كانت تستهدف ترشيد الإنفاق على بند دعم المنتجات البترولية إلى 89 مليار جنيه، بدلا من 125 مليار جنيه، وفق التقديرات السابقة والتى كان فيها سعر خام البترول قد تم احتسابه على أساس السعر السائد فى ذلك الوقت وهو 67 دولارا للبرميل، بما يعنى أن الفاتورة زادت بحوالى 35 مليار جنيه، لتصبح الحكومة أمام تحديات أصعب وهو وضع لا تحسد عليه، فليس بأيديها التحكم فى السعر العالمى للبترول وفى نفس الوقت لا ترغب فى إضافة أعباء جديدة على المستهلكين خصوصا أن سعر المنتجات البترولية يؤثر على الكثير من السلع والخدمات، وهناك من يستغلون أى ارتفاع ليضيفوا إليه ويلقون باللوم على أسعار المنتجات البترولية.
والحكومة أمام خيارين أحلاهما مر فإما أن تزيح الأزمة وتعالجها كما كان فى السابق إما بترحيلها والاستدانة لتغطية العجز، وهذا يعنى أن تتفاقم الأزمة وأن تزيد خدمة الديون لكنها تزيحها إلى حكومة تالية تواجه تلك الورطة المتفاقمة أو أن تواجه الأزمة وترفع سعر مشتقات البترول وتتحمل الاستياء الناجم عن ارتفاع أسعار المنتجات البترولية، لكنها ستمضى قدما فى طريق الإصلاحات الجذرية التى تصحح الأسعار وتهيئ مناخا أفضل للاستثمار والإنتاج على مدى أبعد.
للأسف كثير من حكوماتنا كانت تستسهل الخيار الأول وهو تأخير الإصلاح، وأن تقوم بترحيل الأزمة إلى أطول مدى زمنى ممكن، وأن تبدو وكأنها تعمل لصالح المستهلك لكنها فى الحقيقة لم تكن تعمل إلا لصالح موقفها وأن تبدو ناجحة أمام الشعب، لكنه نجاح زائف بل طريق سهل ورخيص ويهرب من المسئولية ويصل إلى حد التزوير الذى لا يمكن أن ندفع ثمنه وتبعاته أضعافا مضاعفة وهذه الطريقة الدارجة فى العلاج، هى التى أورثتنا تلك التركة الثقيلة من الأعباء وجعلتها أثقل من أن نتحملها وهى توشك على الانفجار فكل تأجيل يعنى أن تزيد الأحمال أكثر فأكثر حتى تأتى لحظة الحساب وتأتى القشة التى تقصم ظهر الاقتصاد ويحدث انهيار واسع وفوضى لا يمكن التنبؤ بمدى قدرتنا على احتمالها فى ظل الأزمة العالمية وعندئذ يكون الخطر أكبر وهناك العديد من الدول التى اتبعت نفس طريقة العلاج بالتأجيل والمسكنات حتى ضربتها الأزمة فى مقتل ودخلت مرحلة لم يعد بمقدورها أن تتحملها مثلما حدث فى اليونان.
أتمنى أن تواجه الحكومة هذه الأوضاع بشجاعة وأن تقدم موازنة تواصل بها طريق الإصلاح الذى مضت فيه طويلا وقطعت الأشواط الأكثر صعوبة وعلينا أن نتفهم تلك السياسات التى تأخذ بحقائق الواقع وتواصل طريق الإصلاح الجذرى الذى يمكن البناء عليه بدلا من الخداع والتمويه والتسكين الذى يضر بقواعد الاقتصاد وتجعله هشا وضعيفا ومثقلا بالأعباء ولا يمكن أن تبنى فوق تلك الأعمدة المتداعية. لقد تحققت إنجازات مهمة بخفض العجز فى الموازنة وإصلاح فى الميزان التجارى والارتفاع المتزايد فى قيمة الصادرات مع خفض الواردات وهو الطريق الصحيح لبناء اقتصاد يقوم على رفع قدراتنا الإنتاجية والتصديرية وإنعاش الصناعات المحلية.
إن أسوأ اختيار هو عدم اكتمال مشوار الإصلاح بعد كل هذا الجهد وتحمل الشعب تبعات هذا الإصلاح من أجل الوصول إلى بر الأمان أما قطع أكثر من نصف الطريق ثم الوقوف أو التراجع فمن شأنه أن نتحمل تبعات أكثر وأن تضيع خطوات الإصلاح التى تحملنا أعباءها هباء وندخل فى نفق مظلم من جديد بعد أن رأينا الضوء يقترب والإصلاح بدأ ينبت ثماره ولم يعد أمامنا إلا القليل لنجنى ثمار ذلك الإصلاح.
نعلم أن الخطوات الأخيرة قد تكون الأكثر صعوبة بعد سنوات من عملية منهكة لكنها ضرورية من أجل الإصلاح فدائما ما يكون الإحساس بالمشقة أكبر فى نهاية المشوار لكن ما يعوضنا هو أن نجد العائد من تلك الإصلاحات وأن تتحمل تلك الخطوات القليلة من أجل الفوز باقتصاد صحيح ومتعاف يحمل لنا الأمل فى حياة أفضل لنا ولأبنائنا.
مسلسلات بلا طعم
تراجعت مساحة المسلسلات الاجتماعية التى كانت لها الريادة فى شهر رمضان، ولم نعد نشاهد دراما بعمق وجودة مسلسلات مثل، ليالى الحلمية، ولن أعيش فى جلباب أبى، والوسية، والمال والبنون، وغيرها من تلك الدراما الجادة والشيقة، حتى إن مسلسل بالحجم العائلى للنجم الكبير يحيى الفخرانى، وهو الأقرب لنوعية المسلسلات الاجتماعية، قد جاء بنمط عائلة لا تجسد الواقع المصرى، وأحداثه تجرى فى منتجع سياحى منعزل ونمط حياة أقرب إلى السياح الأجانب، وليس إلى عائلة مصرية تمثل المجتمع، وكأننا أمام دراما أجنبية بنمط شخصياتها وسلوكها ومشكلاتها وعاداتها ومنتجعها السياحى.
أما النجم الكبير عادل إمام فقد كان له حضور مميز من خلال مسلسل «عوالم خفية» الذى يجمع بين الدراما الاجتماعية والسياسية، والإثارة من خلال عمله صحفيا كبيرا يصطدم بعدد كبير من المشكلات.
أما معظم المسلسلات فقد غلب عليها طابع الإثارة بصراعات عصابات الإرهاب والمخدرات ولصوص الآثار والتهريب وغسل الأموال، لتسيطر الجريمة على الشاشة الفضية فى رمضان، وتصبح المطاردات والملاحقات والصراعات هى المواد الدسمة التى تقتات عليها الدراما الرمضانية والتى لجأ إليها معظم المنتجين، لضمان قدر من النجاح، على أساس أن الجمهور يميل إلى التشويق الذى تزخر به مسلسلات الإثارة والحركة، لكن الكمية الكبيرة من مسلسلات الإثارة أصابت الجمهور بالتلبك المعوى من شدة الدسم والإفراط فى عرض الجرائم، فجاءت الوجبات صعبة الهضم على الكثيرين من أمثالى الذين لم يستوعبوا هذا الكم الكبير من المسلسلات المفرطة فى الإثارة، خاصة عندما تكون الفواصل الإعلانية طويلة وكثيفة، ولا أستطيع احتمالها فأنتقل بين القنوات، عسى أن أجد مسلسلا سهل الهضم وقريبا من وجداننا ومشكلاتنا وحياتنا اليومية، ويمكن لى ولمن حولى أن نستوعب أحداثه التى تدور فى عوالم غامضة ومركبة من مختلف الجرائم والعصابات.
ولأننى صعيدى فقد كنت مثل أبناء محافظات الصعيد نضحك كثيرا على الممثلين الذين يظنون أنهم يتحدثون باللهجة الصعيدية التى لا تزيد فى نظرهم عن تعطيش الجيم ونطق القاف مثل الجيم، وترديد مفردات مثل «بوى» و «أماى»، دون اهتمام باللهجة الحقيقية لأهل الصعيد والفروق بينها، والتى تختلف من بلد إلى آخر، وإن كان قد أدركها بعض التغيير والمفردات الجديدة فى عصر العولمة والقنوات الفضائية، لكن يبدو أن صورة الصعيد ثابتة فى مكانها، ويعتمد كتابها على ما يشاهدونه على الشاشة عن الصعيد، أو بعض الحوادث المنشورة التى تختزل مشكلات الصعيد فى حوادث الثأر وتجارة السلاح والإرهاب، ولا يهتمون، وربما لا يدركون، الكثير من القضايا التى يعيشها معظم أهالينا فى الصعيد، والتى أتمنى أن أشاهد مسلسلا اجتماعيا يعبر بصدق عن حياة ومشكلات الصعيد الملىء بعناصر ونماذج إنسانية ومشكلات أكثر جوهرية، يمكن أن تثرى الدراما وتجعلنا نقترب ونتفاعل مع أهالينا فى الصعيد بشكل جدى، بعيدا عن الصورة النمطية والمستهلكة عن حوادث الثأر وتهريب وتجارة الآثار.
لا يمكننى بالطبع أن أشاهد هذا الكم الكبير من المسلسلات الذى يحتاج إلى أكثر من 48 ساعة يوميا لمتابعتها جميعا، فقد زادت المسلسلات عددا وتراجعت فى الجودة والعمق إلا ما ندر، وبعد أن كانت تمثل لجيلى وجبة خفيفة وشيقة ننتظرها على أحر من الجمر، تحولت إلى مائدة ضخمة عليها أصناف من الوجبات السريعة، المليئة بالدهون ومكسبات الطعم والبهارات التى غطت على الطعم المميز للمسلسلات الاجتماعية التى ارتبطت بشهر رمضان الكريم.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع