بقلم - عـــلاء ثابت
الحفاوة التي استقبلت بها سلطنة عمان الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارته الأولي لها، وبعد غياب مصري رئاسي عنها لنحو عقد من الزمن هي حفاوة غير مسبوقة من جانب السلطنة لأي رئيس آخر سواء من مصر أو من أي دولة أخري. فلا أعرف أن رئيسا استقبل في السلطنة بتلك الحفاوة سوي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وهنا لابد من تأكيد أن تلك الحفاوة وإن كانت ترجع في المقام الأول لتقدير السلطنة لمصر ودورها فإنها أيضا تعكس تقديرا خاصا من جانب السلطنة للرئيس السيسي. هذا التقدير لم تعبر عنه الدوائر السياسية فقط في السلطنة، بل عكسته وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، والأهم ما اتضح لنا من خلال متابعتنا لزيارة الرئيس من تقدير الشعب العماني لمصر وللرئيس.
ولعله لن يكون من قبيل المبالغة القول إن الشارع العماني لم يكن له حديث سوي زيارة الرئيس السيسي للسلطنة، إلي الدرجة التي شعرت معها وأنا أتابع فاعليات الزيارة أن العمانيين كانوا ينتظرون تلك الزيارة ويتوقعونها في أي وقت ويثقون في الوقت نفسه بأنها ستتم ومن ثم استعدوا لها لتخرج بالشكل المشرف الذي خرجت عليه. كان العمانيون يثقون أن الرئيس السيسي وهو يسعي لتأكيد الدور الإقليمي لمصر وتدعيم علاقته بدول الخليج لا يمكن له أن ينهي فترته الرئاسية الأولي دونما زيارة للدولة التي تمتلك الكثير من مفاتيح الاستقرار في منطقة الخليج.
ذلك أن السياسة التي اتبعها السلطان قابوس جعلت من السلطنة مطفئا لكل الحرائق التي سعي البعض لإشعالها داخل الأسرة الخليجية. سياسة قامت علي إعلاء أهمية مجلس التعاون الخليجي وانطلقت من إمكان بل حتمية حل كل الخلافات بين دول الخليج داخل البيت الخليجي. ومن هنا احتفظت السلطنة بعلاقات ودية للغاية مع كل دول الخليج الأخري، ولم تنحز في حال نشوب أي خلاف إلي طرف علي حساب الطرف الآخر. فبات السلطان قابوس والسلطنة القبلة الرئيسية لجميع الأطراف حينما تتفجر أزمة ما في الخليج أو بين دولة خليجية وأخري عربية. إنها باختصار سياسة الحياد الإيجابي من مبدأ الواقعية السياسية التي تبناها السلطان قابوس، التي تنأي بالسلطنة عن التورط في الأزمات لكي يمكنها أن تحلها أو علي الأقل تمنع تفاقمها. وهي السياسة التي ترجع كما يؤكد الكثير من العمانيين - إلي الصيغة التي سكها السلطان قابوس للتوفيق بين ما تفرضه الاعتبارات التاريخية والجغرافية والمذهبية لعزلة السلطنة عما يحدث في المنطقة والاعتبارات الإستراتيجية التي تفرض ضرورة الانخراط في قضايا وأزمات المنطقة. فخيار العزلة التامة لم يعد ممكنا بنفس السهولة التي كان عليها قبل عقد أو عقدين من الزمن.
وعلي صعيد آخر، فإن تلك الحفاوة التي استقبل بها الرئيس في عمان تعكس أيضا التوافق التام في الرؤي والمواقف التي تتبناها الدولتان وتصوراتهما للتعامل مع الأزمات المتفجرة في المنطقة. فسلطنة عمان بطبيعتها تسعي إلي تجنيب المنطقة والخليج في القلب منها تفجر أي أزمات، وتتبني الحلول السياسية لأي أزمة تنشأ في المنطقة دونما تورط في تلك الأزمات، ومصر هي الأخري باعتبارها القوة الإقليمية الأهم في المنطقة تسعي وتعمل علي حفظ الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وترفض التدخل في الشئون الداخلية للدولة وتعمل علي التمكين للحلول السياسية لكل الأزمات، وتؤكد مرارا وتكرارا أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. كما بدا واضحا خلال الزيارة مدي التفاهم بين الرئيس السيسي والسلطان قابوس بشأن جميع القضايا علي المستويين الإقليمي والثنائي. إنها حقا كما وصفتها الصحافة العمانية «قمة الحكماء».
وبينما تجري في مسقط تلك المظاهرة من الشعب العماني وحكومته حبا وتقديرا لمصر ورئيسها، لخصها يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسئول عن الشئون الخارجية بعمان بقوله «إن مصر زعيمة العرب، وأن العرب دونها لا شيء» و «إنها عكاز الأمة العربية وهي اليوم كذلك المنصة التي تجمع الأمة العربية ودورها مشهود ويتعاظم»، فإن في مصر من يعملون علي عرقلة مسيرة استنهاض مصر وجرها إلي حالة ما قبل ثورة 30 يونيو مدعومين بدول خارجية من بينها للأسف دولة خليجية لم تتعلم من جارتها عمان كيف يمكن توظيف مقدرات الدولة لخدمة شعبها والحفاظ علي أمن واستقرار محيطها الخليجي ومحيطها العربي، وكأنهم جميعا في مهمة خاصة لتكسير «العكاز» الذي تتوكأ عليه الأمة العربية.
نقلا عن الاهرام القاهرية