بقل- عـــلاء ثابت
من الحقائق الثابتة، فيما يتصل بالعلاقات المصرية – السعودية، أنها أولا علاقات تاريخية، يرجع تبلورها إلى العصر الفرعونى على نحو ما أكد الدكتور زاهى حواس، وثانيا: أنها علاقات عصية على الانكسار، مهما شابها، خلال مسيرتها الطويلة، من خلافات أو حتى أزمات، إلى الحد الذى دفع بولى عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان لتأكيد تلك الحقيقة بقوله إن العلاقات المصرية - السعودية عصية على الانكسار، حتى لو أراد قادتها أن يفعلوا ذلك، فهى علاقات شعبية قبل أن تكون رسمية، والشعبان المصرى والسعودى هما، فقط، صاحبا الحق فى تقرير مصير تلك العلاقة. وثالثا: فإن العلاقات المصرية - السعودية تمثل ضرورة إستراتيجية ليس فقط للدولتين، ولكن لكل الدول العربية، فهى بكل تأكيد رمانة الميزان للأمن القومى العربي، كما أن طبيعة تلك العلاقة تحدد وترسم، إلى حد بعيد، طبيعة ومستوى العلاقات العربية.
الزيارة الأخيرة للأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة، خلال الأسبوع الماضى، جاءت على خلفية تلك الحقائق، والأهم أنها تمثل، فى حد ذاتها، إضافة أو فرض حقيقة جديدة على أجندة الحوار المتصل بالعلاقات المصرية - السعودية. هذه الحقيقة يعبر عنها التوافق المصرى - السعودى بشأن المستقبل، ليس فقط فيما يتعلق بمستقبل العلاقة بين الجانبين، ولكن فيما يتعلق بالأوضاع السياسية، والاقتصادية داخل كل منهما. فمصر تمر بمرحلة إعادة بناء شاملة منذ ثورة 30 يونيو، مستهدفة تحقيق تنمية اقتصادية وسياسية حقيقية بالمعنى، وتعمل على القضاء على كل ما من شأنه عرقلة مسيرتها نحو المستقبل، بالشكل الذى يعيد إلى مصر مكانتها الطبيعية، والمملكة العربية السعودية بدأت هى الأخرى إستراتيجية مماثلة، أطلقها ويتبناها ولى العهد السعودى لتدشين «سعودية جديدة» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إستراتيجية الدولتين للوصول إلى ذلك الهدف، حملتها وثيقة مشابهة، هى رؤية 2030 لكل من مصر والسعودية تم طرحهما فى توقيت متزامن تقريبا. إذن القوتان العربيتان، الأكبر فى المنطقة، باتتا مهمومتين، على النحو الذى لم يحدث من قبل بالبحث عن مستقبل أفضل لكل منهما، والأهم أصبحتا تعرفان الطريق إلى ذلك المستقبل.
وإذا كانت مصر قد عادت لتمثل بحق، نموذجا يحتذى فى المواءمة بين التعامل مع التحديات المفروضة عليها، وبين تطلعها للتنمية والانطلاق، فإن تبنى السعودية ذلك المسار، فى ظل رؤيتها الجديدة سيدعم، بلا شك، ذلك التوجه ليصبح نهجا عربيا عاما. ومن المؤكد أن اختيار الأمير محمد بن سلمان مصر لتكون وجهته الأولى بصفته ولى عهد المملكة، إنما يحمل دلالات بالغة المعنى، سواء فيما يتعلق بما يمكن أن تقدمه مصر دعما للمملكة فى مسيرتها الجديدة، أو فيما يتعلق باستعداد المملكة لدعم مصر، خاصة فى إطار عملية التنمية من منظور مختلف تماما عما كان سائدا، والذى كان عنوانه العريض «المساعدات». فالدولتان تتحدثان الآن عن مشروعات جبارة للتعاون والاستثمار المتبادل تحقق مصلحة كل منهما. وهنا أتى الحديث عن مشروع «نيوم» العملاق الذى أطلقته المملكة، ويشمل معها كلا من مصر والأردن بقيمة نصف تريليون دولار تقريبا على مساحة 26.500 كم تشارك فيه مصر بنحو ألف كم.
التركيز على المستقبل والإصرار على مواجهة كل التحديات، التى تعرقل عملية الانطلاق، هو الدافع الحقيقى الذى يحرك الدولتين حاليا. فمصر والسعودية يقودان التحالف العربى لمكافحة الإرهاب، بكل ما يمثله من محاولات لعرقلة جهود التنمية، وتلك المكافحة تستهدف جذور الإرهاب والبيئة الحاضنة له، ولا تقتصر، كما قد يتوهم البعض، على مواجهة قطر، التى قال عنها ولى العهد السعودى، إنها أقل من أن ننشغل بها. كما تتبنى الدولتان رؤية مشتركة لضرورة اقتحام المشكلات الداخلية بكل جرأة مهما تكن التكلفة، فالدولتان فى حرب حقيقية أخرى ضد الفساد وضد التيارات الدينية المتشددة. وإذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسى يعمل منذ سنوات على تجديد الخطاب الدينى، فإن الأمير محمد بن سلمان يسير أيضا فى الاتجاه نفسه، محاولا تحرير العقل السعودى من أسر أفكار التيارات المتشددة، التى أغلقت المجال أمام الشعب السعودى فى كثير من الأمور، وهو ما يدفع إلى القول بأن ما يحدث فى المملكة يمثل حركة إصلاحية مكتملة الأركان.
باختصار فنحن أمام مرحلة جديدة، ومختلفة تماما فى مسار العلاقات المصرية – السعودية، قوامها لغة جديدة، سياسيا واقتصاديا، تستهدف فى النهاية، كما أكد البيان المشترك الصادر عن قمة السيسى وبن سلمان، بلورة خطة طموح لتطوير منظومة العمل العربى المشترك الذى يراوح مكانه منذ سبعة عقود تقريبا.
نقلا عن الاهرام القاهريه