توقيت القاهرة المحلي 08:57:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جوهر الصوم

  مصر اليوم -

جوهر الصوم

بقلم : عـــلاء ثابت

 تحول شهر رمضان من شهر للتقشف والزهد والإقلال من الطعام والشراب إلى شهر للترفيه والاستهلاك الزائد والموائد الطويلة والممتلئة بأصناف الطعام من اللحوم والحلوى، وصرنا نأكل فى شهر رمضان حتى التخمة، بل إننا نستعد لشهر رمضان بالإعلان عن توفير المزيد من اللحوم وصنوف الطعام بأكثر من الشهور العادية، بأضعاف مضاعفة، وإعداد ميزانية أكبر لبند الطعام، على العكس من غاية الشهر الكريم، وأصبح شهر رمضان عنوانا للترفيه والتسلية والسهر حتى الصباح فى خيام أو مقاه للشيشة أو الجلوس بالساعات أمام شاشات الفضائيات لمشاهدة مسلسلات تغطى اليوم بكامله، بل نحتاج إلى أكثر من 24 ساعة لمتابعتها، ونتنقل بين الشاشات بحثا عنها.

وهذا الكم الكبير من المسلسلات التى تتنافس منافسة حامية لجذب المتابعين، تتكلف مئات الملايين وتتخللها إعلانات طويلة كلها تتنافس على جيوب المشاهدين فى شهر أصبح عنوانا للإسراف والتبذير فى كل شىء. كيف انقلبت صورة وعادة الشهر الفضيل، وتحولت إلى نقيض غايته؟ لقد تحكمت فينا عادات استهلاكية، ووقعنا فى براثن المصالح والمكاسب المادية، فتركنا جوهر الصوم، وبدلا من الأمعاء الخاوية، لنشعر بمعاناة الفقراء والجوعى، أصبحنا متخمين من كثرة الطعام. نجوع ساعات لنستهلك بعدها ما يكفى أياما فأصبح شهر رمضان رمزا للمسافة الشاسعة بين الغنى الذى يعد أشهى الموائد بعشرات الأصناف القديمة والمبتكرة، وكل ما فى قوائم المطابخ العالمية، ويتباهى بأطباق من الشرق والغرب وأنواع لم نسمع عنها من الحلوى. والفقراء الذين ينتظرون الصدقات فى طوابير تسد الشوارع، بل إن الصدقات تحولت أيضا إلى مظاهر وتباه ولا تجرى فى السر، لتحفظ ماء وجه الفقير، بل خلقت فئة من المستفيدين من الصدقات، يلبسون مثل الفقراء ليتسولوا بها ويفوزوا بأكبر قسط من الصدقات، بينما المتعففون فى بيوتهم لا يجدون شيئا من تلك الصدقات التى تحولت إلى مظاهر احتفالية، تجذب الانتباه إلى المتصدق، بل تجد لافتات تشير إلى أصحاب الصدقات وموائد الرحمن، والتى كان ينبغى أن تذهب أموالها إلى من يستحقها من المتعففين فى الخفاء، ليتناولوا طعامهم وسط أطفالهم، دون أن يشعروا بالمهانة أو الإساءة لمشاعرهم ومشاعر أبنائهم.

إننا بحاجة إلى جهد كبير لكى نعيد للشهر الكريم وجهه الحقيقى، وأن نقلع أو نخفف من تلك العادات الدخيلة والمتزايدة التى قلبت صورته، فرمضان ليس شهر الكسل والإجازات والإسراف والترفيه، فنحن فى ظروف تتطلب أن نقتصد ونوفر فى طعامنا ونفقاتنا، فنحن نمر بواحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية، التى يمر بها العالم وتصلنا الأزمة أشد قوة وقسوة، سواء بسبب الاضطرابات غير المسبوقة فى المنطقة، وما تعانيه من حروب وإرهاب، وتلك الأزمات تحتاج منا أن نراعى جوهر رمضان ونعيد إحياء عادات التقشف وخفض الاستهلاك، وأن نقوى الصدقات من التكافل الاجتماعى، لتكون إحدى لبنات تماسك الدولة والتعاضد بين أبنائها، بل نحتاج إلى أن يكون الشهر الكريم مدرسة أو دورة إعداد، لتجنب العادات السلبية وتكريس الإيجابيات طوال شهور السنة، وليس مجرد عادات احتفالية عابرة لا تترك أثرا بعد انتهاء الشهر.

إن الشعوب التى تواجه أزمات استثنائية تفرض على نفسها قيودا فى الاستهلاك والترفيه حتى الطبقات القادرة تراعى ذلك وتكون نخبتها الثقافية والسياسية والدينية نموذجا يحتذى فى ترسيخ هذه المفاهيم والارتقاء بالإحساس الجمعى الذى نصطف فيه جميعا، لكى نواجه أزماتنا عبر تغيير العادات السلبية، لننتج أكثر ونستهلك أقل، ويشعر الغنى بمعاناة الفقير، ونراعى المرضى بدون إعلانات، ونحرص على زيارة المستشفيات ودور المسنين والأيتام، ونتعرف على أحوال قاطنيها، وحاجاتهم دون جلبة أو أضواء، ونرسخ تلك المفاهيم فى وجدان أولادنا ليشبوا على مجتمع صالح، فهل آن الأوان ليستعيد رمضان جوهره الحقيقى.

نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جوهر الصوم جوهر الصوم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon