توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جوهر الصوم

  مصر اليوم -

جوهر الصوم

بقلم : عـــلاء ثابت

 تحول شهر رمضان من شهر للتقشف والزهد والإقلال من الطعام والشراب إلى شهر للترفيه والاستهلاك الزائد والموائد الطويلة والممتلئة بأصناف الطعام من اللحوم والحلوى، وصرنا نأكل فى شهر رمضان حتى التخمة، بل إننا نستعد لشهر رمضان بالإعلان عن توفير المزيد من اللحوم وصنوف الطعام بأكثر من الشهور العادية، بأضعاف مضاعفة، وإعداد ميزانية أكبر لبند الطعام، على العكس من غاية الشهر الكريم، وأصبح شهر رمضان عنوانا للترفيه والتسلية والسهر حتى الصباح فى خيام أو مقاه للشيشة أو الجلوس بالساعات أمام شاشات الفضائيات لمشاهدة مسلسلات تغطى اليوم بكامله، بل نحتاج إلى أكثر من 24 ساعة لمتابعتها، ونتنقل بين الشاشات بحثا عنها.

وهذا الكم الكبير من المسلسلات التى تتنافس منافسة حامية لجذب المتابعين، تتكلف مئات الملايين وتتخللها إعلانات طويلة كلها تتنافس على جيوب المشاهدين فى شهر أصبح عنوانا للإسراف والتبذير فى كل شىء. كيف انقلبت صورة وعادة الشهر الفضيل، وتحولت إلى نقيض غايته؟ لقد تحكمت فينا عادات استهلاكية، ووقعنا فى براثن المصالح والمكاسب المادية، فتركنا جوهر الصوم، وبدلا من الأمعاء الخاوية، لنشعر بمعاناة الفقراء والجوعى، أصبحنا متخمين من كثرة الطعام. نجوع ساعات لنستهلك بعدها ما يكفى أياما فأصبح شهر رمضان رمزا للمسافة الشاسعة بين الغنى الذى يعد أشهى الموائد بعشرات الأصناف القديمة والمبتكرة، وكل ما فى قوائم المطابخ العالمية، ويتباهى بأطباق من الشرق والغرب وأنواع لم نسمع عنها من الحلوى. والفقراء الذين ينتظرون الصدقات فى طوابير تسد الشوارع، بل إن الصدقات تحولت أيضا إلى مظاهر وتباه ولا تجرى فى السر، لتحفظ ماء وجه الفقير، بل خلقت فئة من المستفيدين من الصدقات، يلبسون مثل الفقراء ليتسولوا بها ويفوزوا بأكبر قسط من الصدقات، بينما المتعففون فى بيوتهم لا يجدون شيئا من تلك الصدقات التى تحولت إلى مظاهر احتفالية، تجذب الانتباه إلى المتصدق، بل تجد لافتات تشير إلى أصحاب الصدقات وموائد الرحمن، والتى كان ينبغى أن تذهب أموالها إلى من يستحقها من المتعففين فى الخفاء، ليتناولوا طعامهم وسط أطفالهم، دون أن يشعروا بالمهانة أو الإساءة لمشاعرهم ومشاعر أبنائهم.

إننا بحاجة إلى جهد كبير لكى نعيد للشهر الكريم وجهه الحقيقى، وأن نقلع أو نخفف من تلك العادات الدخيلة والمتزايدة التى قلبت صورته، فرمضان ليس شهر الكسل والإجازات والإسراف والترفيه، فنحن فى ظروف تتطلب أن نقتصد ونوفر فى طعامنا ونفقاتنا، فنحن نمر بواحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية، التى يمر بها العالم وتصلنا الأزمة أشد قوة وقسوة، سواء بسبب الاضطرابات غير المسبوقة فى المنطقة، وما تعانيه من حروب وإرهاب، وتلك الأزمات تحتاج منا أن نراعى جوهر رمضان ونعيد إحياء عادات التقشف وخفض الاستهلاك، وأن نقوى الصدقات من التكافل الاجتماعى، لتكون إحدى لبنات تماسك الدولة والتعاضد بين أبنائها، بل نحتاج إلى أن يكون الشهر الكريم مدرسة أو دورة إعداد، لتجنب العادات السلبية وتكريس الإيجابيات طوال شهور السنة، وليس مجرد عادات احتفالية عابرة لا تترك أثرا بعد انتهاء الشهر.

إن الشعوب التى تواجه أزمات استثنائية تفرض على نفسها قيودا فى الاستهلاك والترفيه حتى الطبقات القادرة تراعى ذلك وتكون نخبتها الثقافية والسياسية والدينية نموذجا يحتذى فى ترسيخ هذه المفاهيم والارتقاء بالإحساس الجمعى الذى نصطف فيه جميعا، لكى نواجه أزماتنا عبر تغيير العادات السلبية، لننتج أكثر ونستهلك أقل، ويشعر الغنى بمعاناة الفقير، ونراعى المرضى بدون إعلانات، ونحرص على زيارة المستشفيات ودور المسنين والأيتام، ونتعرف على أحوال قاطنيها، وحاجاتهم دون جلبة أو أضواء، ونرسخ تلك المفاهيم فى وجدان أولادنا ليشبوا على مجتمع صالح، فهل آن الأوان ليستعيد رمضان جوهره الحقيقى.

نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جوهر الصوم جوهر الصوم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon