بقل- عـــلاء ثابت
لسنوات طويلة مضت تراجع دور الهيئة العامة للاستعلامات إلى الدرجة التى أفقدت المواطنين الشعور بوجودها، حيث تفاقمت مشكلاتها المادية والمهنية بما جعلها عاجزة عن القيام بالدور الحيوى والمحورى الذى أنشئت من أجله، وتحولت إلى عبء يبحث كثيرون عن كيفية التعامل معه أو التخلص منه. وفى ظل حالة الحرب الإعلامية، التى تواجهها مصر منذ ثورة 30 يونيو، عاد التساؤل عن ضرورة وكيفية تفعيل دور الهيئة ليفرض نفسه على النقاش العام مرة أخري، خاصة أن الهيئة تمتلك من الأصول والخبرات ما يؤهلها للعب دور رئيسى فى مواجهة تلك الحرب الإعلامية. وفى الحقيقة فإنه لم يكن ممكنا إبقاء وضع الهيئة على ما هو عليه ولا التخلص منها، لذلك بدا واضحا أن ثمة قرارا قد اتخذته الدولة لإعادة بعث أو إحياء الهيئة إيماناً بأهميتها كهيئة إعلامية حكومية تضطلع بمسئولية الخطاب الرسمى فى الداخل والخارج. وكانت البداية من خلال اختيار أحد أهم الباحثين المصريين ذوى الخبرة السياسية والإعلامية، بحيث يكون قادرا على انتشال الهيئة من حال السبات الذى تمر به، ويكون لديه الرؤية والقدرة على تغيير نمط أدائها وفعاليتها فى ظل التحديات القائمة، خاصة ما يتعلق منها بمحدودية الموارد المتاحة.
ومن هنا تم إسناد رئاسة الهيئة للكاتب الصحفى الكبير ومدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ونقيب الصحفيين الأسبق الأستاذ ضياء رشوان. وخلال الأشهر الثمانية الماضية اتبع رشوان سياسة واضحة لاستنهاض طاقات العاملين فى الهيئة وتأمينهم ضد تأثير الشائعات التى يطلقها البعض سواء بشأن الاستغناء عن الكثير منهم فى حال اعتماد خطة لإعادة هيكلة الهيئة، أو بشأن غلق بعض مقارها ومكاتبها تخفيضا للنفقات. ولم يكن لتلك السياسة أن تنجح دونما العمل على إعادة الثقة لكل العاملين فى الهيئة وكوادرها، وتفعيل التواصل المباشر معهم على اعتبار أنهم الأكثر دراية بمشاكل الهيئة وطرق علاجها. وفى هذا السياق رفع رئيس الهيئة منذ اليوم الأول شعار أن «أى تطوير للهيئة واستعادة دورها لن يتم إلا بأيدى أبنائها»، فأهل مكة، كما يقال، أدرى بشعابها، وأنه ليس من الحكمة بدء العمل والتطوير من نقطة الصفر.
وبكل تأكيد فإن اللقاء الذى جمع رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل بالأستاذ ضياء رشوان يوم الإثنين الماضي، يشير بوضوح إلى أن الهيئة العامة للاستعلامات باتت على أعتاب مرحلة جديدة، انطلاقا من خطة العمل التى عرضها رشوان خلال اللقاء لتطوير عملها، خاصة فيما يتعلق بدورها فى التواصل مع المؤسسات الصحفية الأجنبية والدفاع عن الصورة الحقيقية لما يجرى فى مصر، على اعتبار أن ذلك يعد من أهم المهام المنوط بالهيئة القيام بها. وبصرف النظر عما ستشهده المرحلة المقبلة للهيئة فإنه من المهم أن نتوقف جميعا عند المنهج الذى اتبعه رشوان فى النهوض بالهيئة بما جعل منها فاعلا مهما لا يمكن تجاوزه، فيما يتصل بمواجهة الحرب الإعلامية الموجهة من بعض وسائل الإعلام الأجنبية. حيث عمد رئيس الهيئة إلى البدء بتفعيل أدوار الهيئة التى لا تتطلب موارد مالية، بل إن كل ما تحتاجه هو تفعيل الأطر الموجودة للتواصل مع المراسلين الأجانب، وإبقاء خطوط التواصل بينه وبين هؤلاء المراسلين مفتوحة، والهدف من ذلك أولا القضاء على تذرعهم بأن غياب التواصل وعدم توافر المعلومات هو أحد أهم الأسباب لما يكتبونه وينقلونه من أخبار بشأن مصر، وثانيا الاشتباك معهم كما يؤكد مرارا انطلاقا من الاعتبارات المهنية وليس السياسية، وفى كل المرات التى تصدى فيها للرد على الكتابات الصحفية وتقارير المؤسسات الحقوقية التى تشوه الأوضاع فى مصر لم يستخدم سوى المعايير الصحفية والأكاديمية لكتابة التقارير والتحليلات.
وهو الأمر الذى ساعده فى فرض احترام الهيئة على الجميع فى الداخل والخارج. واعتقد أن الإرادة السياسية الداعمة لضرورة إحياء الهيئة، وما تمت مناقشته فى اللقاء الأخير بشأن ميزانية الهيئة سيمكن الهيئة فى إطار تلك الرؤية من تفعيل دورها، فى مجالين آخرين وهما صورة مصر فى الخارج من خلال تفعيل دور المكاتب الخارجية، وإعادة فتح بعض المكاتب الرئيسية التى تم إغلاقها فى السنوات السابقة، وكذلك العمل على أن تصبح الهيئة بوابة حقيقية لمصر من خلال إتاحة أكبر قدر ممكن من المعلومات الموثقة عن التطورات والأحداث الجارية، لتكون الهيئة بوابة المعلومات لكل الإعلاميين المصريين منهم والأجانب بما من شأنه فى نهاية المطاف حماية مصر من الأخبار والمعلومات المغلوطة التى تنشر عن مصر بقصد أو بدون قصد.
.نقلا عن الاهرام القاهريه