بقلم - عـــلاء ثابت
ينطلق العام الدراسي الجديد بشكل مختلف تبدأ فيه مصر اختراق واحدة من أهم المشكلات، وتنفيذ أول إستراتيجية شاملة لتطوير التعليم، صحيح أن الطريق ليس مُعبدا وأننا سنواجه عراقيل في التطبيق والبعض لن يتحمس لأنه سيتضرر أو لا يستفيد، وقد يشككون في الجدوي أو القدرة علي التنفيذ، والبعض الآخر قد لا يجد حافزا علي المضي في طريق شاق وجديد، لإزالة تراكمات عقود طويلة من الإهمال لمدارسنا، لكن الأمر يتطلب الكثير من الشجاعة والمثابرة لكي نزيل هذا الركام الهائل من عقولنا، وأن ندرك أن ترك المشكلات سيزيد الأمور تعقيدا.. صحيح أننا اعتدنا الظواهر السلبية حتي أصبحت جزءا من حياتنا وكأنها أقدار مكتوبة علينا، مثل الدروس الخصوصية التي أصبحت تعليما موازيا، لكن علينا أن نثبت القدرة علي إعادة الأمور إلي نصابها، وأن يعتاد الطالب والمعلم أن بيت العلم الرئيسي هو المدرسة، وليس مراكز الدروس الخصوصية، وعلينا أن ندرك أنه من الصعب أن يقتنع المعلم بتغيير طرق التعليم البالية، وأن التعليم يحتاج إلي تفاعل مع الطالب وليس سكب المعلومات في رأسه، ليتمكن من الإجابة علي امتحانات نمطية.
نريد تعليما يحطم ذلك الجمود الذي أصابنا في مقتل، نريد طالبا يعرف أن التعليم يؤهله لكي يتغلب علي المشكلات التي تواجهه في الحياة، وأن يؤدي دوره في تطوير نفسه ومجتمعه.
إننا أمام عام دراسي مختلف يحتاج منا أن نتحمل بعض الأخطاء التي ستنجم عن تجربة جديدة وضخمة وضرورية، فكل جديد يواجه مشكلات وعقبات، وسنجد نقصا هنا أو عدم استعداد هناك أو مشكلات طارئة لم نكن نضعها في الحسبان، لكن يكفي أننا بدأنا أولي الخطوات من أجل هدف كبير يستحق من كل أطراف المجتمع أن تعمل لتحقيقه، فهو عمود خيمة الإصلاح الشامل، وبدونه لن يكون بمقدورنا أن نطمئن إلي أن أبناءنا سيعيشون في بلد أفضل.
يجب أن تمتد يد التطوير إلي جامعاتنا الحكومية التي عانت مشكلات مشابهة للمدارس الحكومية، ولأنها استوعبت فوق طاقتها فلديها 90% من الطلاب في التعليم العالي، وهي تحتاج بشدة إلي تطوير شامل، فهي آخر المحطات التي ينزل منها الطالب إلي سوق العمل، ولهذا فإن عليها عبئا كبيرا في أن تواجه كل جديد في الحياة العملية التي سيدخلها الخريجون، بل عليها أن تسبق الواقع العملي وأن تعد الطلاب ليس فقط للعمل، بل لأن يحسنوا من الأداء والإنتاج، وألا تظل تلك الفجوة الكبيرة والمعتادة بين ما يدرسه الطالب الجامعي وما يجده في الحياة العملية، بل تصبح الجامعات مركزا للتطوير المستمر للمجتمع بأكمله.
صحيح أننا تأخرنا كثيرا في تطوير جامعاتنا، وأصبحت امتدادا لمدارسنا المهملة، وأصبح البعض منها يمنح مجرد شهادات لا قيمة لها. لقد كانت الجامعات المصرية أفضل مما هي عليه الآن ومنها تخرجت عقول وشخصيات حازت علي جائزة نوبل، ويمكن أن نجعلها أفضل بكثير مما كانت عليه، فلدينا صروح ضخمة مثل جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية وأسيوط والمنصورة، وهي جامعات عريقة تخرجت فيها كوادر وقامات علمية، ويمكن أن تصبح من بين جامعات الصدارة في العالم.
وأن نستغل وجود إرادة سياسية تدعم وبكل قوة إحداث تطوير هائل وشامل لمنظومة التعليم، تبدأ بمنح مجلس كل جامعة الصلاحيات الكافية لاتخاذ ما يناسبها من قرارات تسهم في تطويرها، وأن يقتصر دور المجلس الأعلي للجامعات علي وضع السياسات العامة والمشروعات التحفيزية وتذليل العقبات التي تواجه تطوير كل جامعة وتوفير التمويل اللازم، فالمركزية الشديدة في اتخاذ القرار جعلت الجامعات ومجالسها مشلولة.
خاصة أن المجلس الأعلي للجامعات لن يستطيع أن يحقق الكثير من الطموحات بمركزيته. إن منح صلاحيات أوسع لمجالس الجامعات الحكومية والخاصة، سيجعلنا أمام منافسة بين الجامعات علي التطوير والتحديث والابتكار، وسوف نجني نتائج هذا من المنافسات الخلاقة والمبدعة.
ومن حق وزير التعليم العالي بل من واجبه أن يستعين بالوزراء ورؤساء الجامعات السابقين الذين نحتوا في الصخر وحاولوا تطوير الجامعات بإمكانات متواضعة، وفي ظل غياب إرادة سياسية، لوضع جامعاتنا علي طريق التطوير، مثل الأساتذة مفيد شهاب وعمرو سلامة وهاني هلال وعلي عبدالرحمن وعبدالحي عبيد، وغيرهم من الكفاءات التي يجب عدم تجاهلها.
وعلي وزير التعليم العالي أن يواجه ملف المعاهد العليا والمتوسطة والتي أصبح الكثير منها يعاني مستوي تعليميا ضعيفا، فهي تحتاج لاقتحام مشكلاتها والبدء في حلها وتطويرها، وليس الهروب من المشكلات بالقفز عليها.
علينا أن نسعد بخطواتنا الأولي نحو تعليم متطور وجاد سيغير حياة أبنائنا ويضع مصر في مكانة تليق بها.. لكن علينا أيضا ألا نؤجل خطوات الإصلاح لنؤكد أننا جادون فعلا في تحقيق إنجازات حقيقية علي أرض الواقع وليس الاكتفاء بالاستراتيجيات والخطط علي الورق.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع