بقلم-عـــلاء ثابت
معركتنا مع القمامة لا تقبل التأجيل ولا يمكن التعامل معها بتلك الاستهانة التى نلمسها فى الشارع يوميا، وكأن جلودنا أصبحت سميكة وعيوننا كفت عن الانزعاج من القبح، وأصاب الصمم والكسل مسئولينا فى المحليات، فلا يودون رؤية ما يحيط بهم ولا بالناس من أكوام ومكبات القمامة ومخلفات المبانى وغيرها من مظاهر القبح، التى تعبر عن مدى استهتارهم وفشلهم فى ربط أمور الحياة، ولو خسرنا معركتنا مع القمامة، فلا يمكن أن نربح معارك التنمية الأكثر طموحا، أما لو ربحناها فقد حققنا الكثير من المكاسب، بلد جميل وصحى وبيئة صالحة وآمنة وعوائد كبيرة وفرص عمل كثيرة، عندئذ لن أشعر بالخجل من السياح والضيوف العرب والأجانب، بل سأشعر بالفخر ونحن نمر على الشوارع النظيفة التى ستحل الأشجار فيها محل أكوام القمامة ومكبات النفايات. مشكلتى المعتادة عندما أصطحب ضيفا عربيا أو أجنبيا أننى أتجنب المرور به فى الشوارع المكدسة بأكوام القمامة، وهى مهمة شاقة وغالبا ما تفشل، فالقمامة تحولت إلى جزء من حياتنا اليومية إلى الحد الذى تكيفنا فيه مع قبحها، ولا تكاد مدينة مصرية تبرأ من أكوام القمامة بما تحمله من إيذاء نفسى وصحى وتسيء إلى مظهرنا الذى نسعى إلى أن يكون حضاريا، وتتلقى الجريدة يوميا عشرات الشكاوى من سكان مختلف المناطق فى أحياء القاهرة والجيزة، وأيضا المحافظات الأخرى، والسكان لا يشكون إلا عندما يفيض بهم الكيل، فالقمامة لم تعد تتكدس على الأرصفة فقط، بل اتسع حيزها وزحفت إلى الحدائق العامة التى تحول بعضها من مكان للنزهة واستنشاق الهواء النقى إلى مكبات لكل أنواع القمامة التى تنشر الأمراض وتجذب القطط والكلاب الضالة التى تتكاثر بسرعة حولها، وتضيف خطرا جديدا على حياة المواطنين، بل إن شواطئ النيل والبحر أجمل ما لدينا لا تخلو هى الأخرى من القمامة، ورغم تلك الشكاوى التى ننشر بعضها أو نتصل بالمسئولين فى الأحياء والمحافظات، للتدخل عبر الاتصال المباشر لإزالتها، فالظاهرة مازالت تتسع، والزحف مستمر، لا يمكن أن نتعامل مع هذه الظاهرة على أنها طبيعية وأن حصار القمامة لا مفر منه، لأن هذا يعنى أن المسئولين فى المدن والأحياء غير عابئين بالحد الأدنى من النظافة والخطر على الصحة العامة، وبالطبع لا يمكن أن يتخيلوا تأثير هذه المشاهد على السياح والضيوف الأجانب، فالسائح يأتى ليستمتع بالمكان وأول شىء يصدمه هو أن يرى القمامة تبث سمومها فى كل مكان وكأننا نقول لهم لا تقتربوا من بلادنا التى قد تهدد صحتكم وحياتكم، خصوصا أن السائح غير معتاد على أن يرى تلك الأكوام والمكبات ويراها خطرا شديدا فيحمل هذه الصورة السيئة عن بلدنا.
المشكلة ملف مفتوح دائما أمام مجلس النواب، فكل نائب يحمل شكاوى من أبناء دائرته ويطالب بالحل والحكومة والمحليات تتبادلان إلقاء الكرة، وتناقش الكثير من الاقتراحات، لكنها بطيئة أو معدومة التنفيذ، وإن كانت هناك بعض المبادرات الفردية الناجحة لكنها تبقى محصورة فى حيز صغير.
وزراء البيئة لم يحققوا خطوات ملموسة طوال السنوات بل العقود الماضية، سوى بعض الوعود الكبيرة والإنجازات القليلة، وعادة ما يشيرون إلى قلة الإمكانات، مع أن دولا كثيرة فقيرة وغنية لا تعانى من تلك المشكلة، واستغلت النفايات وحولتها إلى ثروات، وكان جامعو القمامة لدينا يأخذونها من البيوت فى عرباتهم الخشبية ويعرفون كيف يتم فرزها واستخدامها بطريقة يدوية وبدائية، ولكن الشركات الأجنبية الجديدة التى تجمع النفايات تكتفى عادة بأن تتخلص من القمامة بعد جمعها من المساكن بإلقائها فى أقرب مكان حتى لو كان مأهولا بالسكان، وهناك من يتخلصون منها بإلقائها فى الترع والمصارف، وفى مجرى نهر النيل أحيانا، وكأنهم يتعمدون قتل البشر والحيوانات ونشر الأوبئة والأمراض المزمنة والخطيرة.
حجم النفايات المعلن يبلغ نحو 24 مليون طن سنويا، لكن الرقم الفعلى يتجاوز ذلك بكثير، وإذا ما تم التعامل بشكل منظم مع تلك النفايات، فيمكن بسهولة أن تتحول من نقمة إلى نعمة، وتوجيه الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة إلى استغلال تلك النفايات وإعادة استخدامها، سواء كانت زراعية أو صناعية أو منزلية وكذلك أن يتولى السكان فى كل منطقة سكنية فرز القمامة، بوضع المخلفات العضوية فى كيس يختلف فى اللون عن المخلفات الصلبة وآخر للمخلفات الخطيرة، وبالتالى يسهل الفرز وإعادة التدوير، وكثير من الدراسات التى أعدتها مراكز البحوث والجامعات المصرية أكدت الجدوى الاقتصادية الكبيرة من استغلال القمامة وإعادة تدويرها، سواء الورقية أو البلاستيكية أو الزجاجية، وأنها ستوفر كميات كبيرة من الأسمدة العضوية وأعلاف الحيوانات، ورغم توافر تلك الدراسات والشكاوى التى يتلقاها مجلس النواب ووجود وزارة للبيئة ومجالس محلية منتشرة فى كل ربوع البلاد، فمازالت المشكلة تراوح مكانها وترتفع أكوام القمامة عاما بعد آخر وتزحف إلى كل مكان، لتنتج الحشرات وأصناف البكتيريا المختلفة، وخصوصا النفايات الخطيرة التى تخرج من المستشفيات والمراكز الصحية، التى تحتاج معاملة خاصة فى التخلص منها، وليس إلقاءها فى الشوارع أو مجارى المياه، لتعيد إنتاج الأمراض وتوسع من انتشارها.
نقلًا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع