بقلم-عـــلاء ثابت
مع التصويت اليوم على التعديلات الدستورية، تبدأ أكبر عملية للإصلاح السياسى فى مصر، بتوسيع المشاركة السياسية، التى تعد جوهر الديمقراطية، لتصويب المسار الديمقراطى المتعثر فى مصر طوال عقود طويلة، لم تتمكن من خلالها, تعبيد الطريق نحو “الديمقراطية السليمة”، التى ظلت هدفا لم يعرف الطريق نحو التنفيذ، فخلال مرحلة الاستعمار البريطانى التى لا يمكن أن نعتبرها نموذجا للممارسة السياسية الصحيحة، لم تكن الأحزاب إلا أدوات فى أيدى الاحتلال البريطانى والقصر الملكي، لهذا كانت الأحزاب ضعيفة وعاجزة وسريعة السقوط، ولم تحقق طموحات الشعب المصرى فى الجلاء والاستقلال، ولا يمكن أن ننسى حادث 4 فبراير 1942 عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين، وأجبرت الملك فاروق على إسناد رئاسة الوزراء للنحاس باشا زعيم حزب الوفد، الذى رفض فى البداية قبول تشكيل الوزارة عن طريق الدبابات البريطانية، لكن إنذار السفير البريطانى الملك فاروق أجبره على القبول، وهو حادث يكشف مدى هشاشة العملية السياسية فى مصر فى أثناء الاحتلال، رغم وجود برلمان منتخب يشكل الحكومة فى ظل نظام حكم الملكية الدستورية.
الإقبال على التصويت فى الاستفتاء أبلغ رد على الحملات التى تسعى إلى عرقلة الإصلاح
وعند قيام ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر، وضعت فى مبادئها الستة الشهيرة “إقامة حياة ديمقراطية سليمة”، لكن هذا المبدأ لم يعرف طريقه نحو التطبيق، ولم تعرف مصر سوى نظام الحزب الواحد، الذى ألغى التعددية السياسية وحرية الرأى والتعبير، ويأتى الرئيس محمد أنور السادات ليضع حدا لنظام الحزب الواحد، بإقامة ثلاثة منابر تحولت إلى أحزاب، يمين ووسط ويسار، لكن ولادة الأحزاب كانت بعملية قيصرية ومن داخل الحزب الواحد “الاتحاد الاشتراكي”، لهذا لم تحقق الهدف المنشود.
وظلت مصر طوال العقود التالية تعانى ضعف المشاركة السياسية، وهشاشة الأحزاب، ولم تستطع أن تتجاوز هذا الوضع الذى استثمرته الجماعات المتطرفة، التى استغلت شعار “الإسلام هو الحل” لتجتذب الشباب نحو التطرف والإرهاب، وبعد التجربة الصعبة التى مرت بها مصر منذ 25 يناير 2011 كان لابد من تصحيح المسار، والسعى لإقامة حياة ديمقراطية سليمة، تقوم على التعددية الحقيقية، وتوسيع شرايين العمل السياسي، بجراحة ضرورية، لم تقتصر على إطلاق حرية تكوين الأحزاب فقط، بل جاءت التعديلات الدستورية لتضع عددا من العلامات الجوهرية على طريق الديمقراطية، منها تعيين أكثر من نائب لرئيس الجمهورية، بما يزيد من المشاركة والتنوع فى الآراء، وإسناد بعض الملفات لنواب الرئيس، بما يؤهلهم للقيام بأدوار مهمة فى صناعة القرار، إلى جانب إقامة مجلس للشيوخ، يستفيد من الخبرات المتوافرة من مختلف المؤسسات، ويجعله شريكًا بالرأى فى مشروعات القوانين ومنظومة صناعة القرار، فمصر عامرة بالخبراء فى جميع المجالات، ويمكن الاستفادة من تلك الخبرات، وأن تضع أمام مجلس النواب مقترحات وآراء تحسن من الأداء السياسي، وتوسع من إطاره، وبالتالى نحقق أكبر استفادة من خبرائنا وشيوخنا فى مختلف المجالات.
ويأتى تفعيل دور المرأة، التى ظلت على هامش العملية السياسية لعقود طويلة، وإن كان للمرأة حق الانتخاب، غير أنها لم تتمكن من اجتياز العوائق التى منعتها من المشاركة الحقيقية والجادة, ويأتى تخصيص نسبة من المقاعد للمرأة ليمنحها أحد حقوقها المهمة، لتكون شريكا فى صناعة القرار،وتأهيلها للقيام بأدوار أوسع، بما يتناسب مع حجم دورها فى المجتمع، ولا يقتصر التنوع والتوسع فى المشاركة السياسية عند هذا الحد، بل يشرك مختلف الفئات، خاصة من الأشخاص متحدى الإعاقة، والذين استطاعوا رغم ظروف الإعاقة تحقيق نجاحات كبيرة وملموسة فى مختلف المجالات، بما يجعلنا نستثمر هذه الطاقات الإيجابية فى العملية السياسية.
وفى مواجهة بث الفتنة ومحاولات منع المسيحيين من المشاركة، سوف يكون المجال أوسع لمشاركة المواطن المسيحى إلى جانب المسلم، وأن نبنى معا دولة عصرية على أسس المواطنة والعدالة، وفى لجان الاقتراع اليوم سوف يقول الشعب كلمته، بعد أن جرى عرض التعديلات على مختلف الفئات والأحزاب والنواب، بما يتيح للمواطن أن يعبر عن رأيه على أساس من الإلمام والمعرفة بجميع التعديلات المطروحة والهدف منها، والتى ستتيح لنا تصويب مسار العملية السياسية بشكل جوهرى وشامل، وهو ما يثير غضب بعض الدول التى لا تريد أن ترى مصر قوية وقادرة ومتطورة فى مختلف المجالات.
لهذا تسعى إلى تشويه كل عملية إصلاح، وأن تروج لأكاذيب تشكك فى الهدف الجوهرى من الإصلاح الشامل، الذى يضع مصر على طريق التقدم، ويمنحها المزيد من القدرات، لتكون أكثر فاعلية فى محيطها الإقليمى والدولي، وتهدم حملات جماعة الإخوان والدول الداعمة للإرهاب، والتى حاولت أن تروج لصورة مغلوطة، وتنفى مدنية الدولة المصرية، التى تتجلى فى تعديلات دستورية ترسخ مبدأ توسيع المشاركة السياسية.
إن تصويتنا اليوم على التعديلات الدستورية أبلغ رد على تلك الحملات التى تسعى إلى عرقلة مسار الإصلاح، وأن تظل مصر رهينة لتلك الجماعات، التى استغلت تلك السلبيات، ووظفتها لمصلحتها، ولهذا لا تريد أن تمضى عملية الإصلاح السياسي، التى تهدم كل فرص استمرار هذه الجماعات التخريبية، التى لا تريد سوى تفشى أفكارها الجامدة والمنغلقة والمعادية للتنوع وحرية الرأى والاعتقاد، وأن تصادر حقوق الشعب المصرى فى إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع