عندما انطلق صوت شباب إفريقيا من أسوان خلال فاعليات ملتقى الشباب العربى والإفريقى فى أسوان، شعرت بصوت يقول «هنا إفريقيا من أسوان»، صوت مفعم بالأسى، لكنه أيضا مفعم بالأمل، وقد جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى لتدشن جسرا بين أسى الماضى والحاضر والأمل فى المستقبل. فقد تناول الرئيس السيسى حجم التحديات التى تواجهها البشرية، والانتشار غير المسبوق للصراعات والنزاعات التى خلفت حجما هائلا من الدمار والتخريب الذى لم يشهد له التاريخ مثيلا، حتى أصبحت مشاهدة اللاجئين أمرا معتادا ، وصوت الصرخات والثكالى جزءا من حياتنا اليومية.
هذه الصورة القاتمة لأحوالنا فى إفريقيا والمنطقة العربية لم تمنع الأمل من شق طريقه عبر شباب إفريقيا والعرب، من الفكرة إلى الحلم الذى يتحول إلى حقيقة فى رحلة إلى المستقبل المشرق, عمادها الاجتهاد فى العمل والإيمان المطلق بأن السلام والعدل هما السبيل الوحيد المؤدى للإنسانية الحقة.
كانت هذه رسالة شباب إفريقيا والعرب بصوت وضمير الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى دعا إلى خطاب جديد للإنسانية، يوقظ الضمائر إلى حجم المعاناة التى تطوق العالم، وتستصرخ قواه الحية، لكى تضع حدا لتلك الصراعات التى تبدد ثروات البشر، وإذا لم تقتلهم بالأسلحة، فإنها تلقى بهم فى غياهب الجهل والفقر.
إن ملتقى أسوان لم يكن إلا حلقة فى سلسلة طويلة من لقاءات وجهود الرئيس السيسى فى المحافل الدولية، لكى تتحول إفريقيا من مصدر للتوتر والألم والبؤس إلى رافعة للأمل والإنتاج والتقدم فى العالم، لأنها القارة الشابة المملوءة بالثروات الطبيعية وبقدرات شبابها الطامحين إلى بناء بلدانهم على أسس من العدالة والسلام والاحترام والتعاون بين الشعوب.
كنت قد تابعت جهود الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال زياراته إلى الصين وأوروبا والولايات المتحدة، وكيف أنه كان يضع مشكلات القارة الإفريقية فى صدارة الاهتمام بالقضايا الدولية، من منطلق رؤيته وإيمانه بأن القارة الإفريقية تمتلك مقومات إخراج العالم من أغلب الأزمات التى يعانيها، سواء صراعات عرقية أو دينية أوعمليات إرهابية أو مشكلات اللاجئين، وذلك باستغلال ثرواتها وعقول وقدرات شبابها بالطريقة المثلى، لما تملكه من طاقات كامنة قادرة على العطاء فى كل المجالات.
لم يكن قرار الرئيس بتوفير العلاج لأبناء القارة السمراء من فيروس سى إلا مثالا على ما يمكن أن يفعله التعاون الخلاق بين شعوب القارة، ورسالة تحمل المعنى العميق للإنسانية، التى حان الوقت لإيقاظ ضميرها، ليكون التعاون وبناء الثقة والمحبة هو العنوان الأبرز، وليس تلك التفجيرات والعمليات الإرهابية وأصوات الاستغاثة من القوارب التى تحمل الشباب العاطل فى إفريقيا للبحث عن فرصة عمل فى بلدان أوروبا. ومن لا يواجه منهم الأمواج العاتية والغرق فإنه يسمع أصوات اليمين العنصرى الرافض لاستقبال المهاجرين.
لن يحتاج شباب إفريقيا إلى أوروبا إذا توافرت لهم فرص العمل فى بلدانهم، فلا أحد يحب ترك بيته وأسرته ووطنه ليواجه الحرمان والغربة، ولهذا فإن تنمية القارة الإفريقية وضخ الاستثمارات فيها هما الحل لمشكلة الهجرة، لتستريح أوروبا من أزمة المهاجرين، وينعم سكان القارة السمراء بالعيش فى بلدانهم المنتجة والمتقدمة والقادرة على استخراج ثرواتها.
لقد انتقد الرئيس السيسى البلدان المتقدمة التى استفادت بعقول أبنائنا النابهين، الذين أسهموا فى تقدمها ، عندما أشار إلى أن على دول المهجر أن تدفع ولو نسبة للبلدان التى أنجبت وعلمت هؤلاء الشباب النابهين، فى تلميح ذكى إلى أن شبابنا شارك فى نهضة وتقدم تلك البلدان المدينة لنا بقسط مما حققته من نماء وثروة.
وإذا كان الرئيس السيسى يأمل فى تجديد الخطاب الإنسانى ليحل التعاون والعدل محل الصراعات والتخريب، فإن رهانه الأساسى على عزيمة شبابنا فى تجاوز التحديات المحيطة، لأنهم «الرقم الفاعل فى بناء المستقبل»، وأن ننحاز إلى الشباب فى سعيهم إلى بناء مستقبل واعد، ولهذا حثهم على التمسك بأحلامهم والعمل على تحقيقها، لأنها الطريق نحو مستقبل مشرق لبلداننا، وأن نجعل من الإنسانية دستورنا.
لقد كان ملتقى الشباب العربى والإفريقى فى أسوان نقطة ضوء باهرة أخرجتنا من أجواء الأسى التى نشاهدها يوميا، وإذا كان الملتقى قد اختتم أعماله بمجموعة من القرارات المهمة حول تمكين الشباب، ووضع تصورات قابلة للتنفيذ عن تفعيل التعاون والمشروعات المشتركة، وتطوير البنية التحتية، خصوصا شبكات النقل والاتصالات بما يحسن التجارة البينية والتفاعل الخلاق بين أبناء القارة، لكن الوصية الأهم التى نبه لها الرئيس السيسى شباب القارة كانت هى جملة: «من فضلكم حافظوا على بلادكم»، وهى جملة غنية بالدلالات وتنبه إلى المخاطر التى تحيط بنا، والدعوات إلى إثارة الفوضى واستغلال طاقة الشباب فى التدمير الذاتى لبلدانهم، لتصبح معاول هدم، بدلا من أن تكون طاقة للبناء والتقدم، عن طريق العلم والعمل وليس التظاهر والتخريب والفوضى التى لا يمكن إلا أن تزيد من حدة الأزمات، وتعطل الإنتاج، وتجلب المزيد من الخراب والدمار، ولهذا فإن الوعى بتلك المخاطر، وأن يضع الشباب نصب عينيه المحافظة على أوطانهم من التخريب والتدمير، من أهم خطوات النجاح والتقدم.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع