توقيت القاهرة المحلي 08:54:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حتى تتطور جامعاتنا

  مصر اليوم -

حتى تتطور جامعاتنا

بقلم-عـــلاء ثابت

لدينا أكثر من ثلاثة ملايين طالب جامعى يتوزعون على 450 كلية، و158 معهدا عاليا. هذا العدد الهائل من الطلاب يمكن أن يشكل قوة دفع هائلة لبناء المستقبل. فالطلاب بحكم أعمارهم ودورهم أكثر الفئات سعيا إلى المعرفة، والأكثر شغفا بتحسين الحياة والأكثر تفاعلا مع المستجدات العلمية والتقنية والفئوية بكل أشكالها.
كانت الجماعات المتطرفة قد سيطرت على الجامعات المصرية بالقوة منذ أواخر السبعينيات، فهاجمت الأنشطة الثقافية والفنية، ومنعت معارض الكتب، بل وصلت سطوتها إلى مهاجمة أساتذة الجامعات المستنيرين وتهديدهم، فهم قد أدركوا قيمة الجامعات والسيطرة عليها، فنشروا أفكارهم وكتبهم، وقدموا الخدمات للطلاب الفقراء، وعينوا أمراء للإشراف على الدعوة والتجنيد، ومحاربة أى أفكار تتعارض مع دعوتهم. وفى ظل هذا المناخ الظلامى حولوا معظم الجامعات إلى حضانات لتفريخ الأعضاء الجدد فى جماعاتهم.
 إن ما عانته بلدنا خلال ذلك العهد الظلامى البائد يجب أن يدفعنا إلى تقدير أهمية الجامعات وطلابها وتحويلها إلى منابر للتنوير والتقدم، واعتبارها من أهم أدوات القوة الناعمة، وتشجيع الطلاب على التفكير النقدى والإبداعى الذى يحولهم إلى طاقة للبناء، وهو ما يستلزم التشجيع على الاطلاع والقراءة والبحوث النقدية، والتعامل مع الطلاب بروح منفتحة ومرنة تستطيع أن تستوعبهم وتتفاعل معهم بشكل إيجابى خلاق.
لقد كانت الجامعات دوما الرافعة للنهضة فى مختلف الفنون الراقية من موسيقى وموشحات دينية، وعروض مسرحية وندوات عن الثقافة والفنون والفكر ولقاءات مفتوحة مع الأساتذة، لا تقتصر على المناقشات الضيقة بحدود المناهج الدراسية بل تتناول ما يشغل الطلاب حول المستقبل وما يدور فى العالم. تلك التجربة تحتاج إلى مزيد من التشجيع والتنظيم والتوسع، وأن تشمل جميع جامعات مصر التى نأمل أن تكون مخرجاتها قادرة على بناء الدولة الحديثة والقوية والمحصنة بالعلم والانفتاح الفكرى والوطنية. ومن هنا يأتى دورالدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالى والبحث العلمى بأن يضع فى مقدمة اهتمامات المجلس الأعلى للجامعات أن تكون الجامعات منارات فكرية مرتبطة بالمجتمع، وقاطرة تستطيع أن تقوده إلي المستقبل بكل ثقة واقتدار دون مهابة من الآخرين أو شعور بالدونية أو الاستعلاء أو الانعزال باسم الخوف من الأفكار المستوردة، فالعلم والمعرفة لا وطن لهما، ورعاة الانعزال هم من لا يريدون ولا يستطيعون المناقشة النزيهة نحو التقدم، والعقول المتحجرة والقلوب المرتجفة هي التي تستسهل المنع والتحريم، بدعوى الحفاظ على الوضع القائم،حيث يخشى بعض قيادات التعليم العالى من الانتقاد  فيكون أسهل قرار هو الرفض، بينما كان من الممكن التأكد من تقديم فنون راقية ترتقى بوجدان الشباب، فالفنون لها دور كبير في البناء الثقافى والوجداني، ويجب أن تحظي باهتمام يليق بمكانتها فى بناء الشباب بل الشعوب. وكذلك في الندوات والبحوث يكون الخوف من أن يظهر بحث أو رأى مختلف فيكون المنع هو الحل فإذا بالمنع يحرمنا من طاقات ومبدعين كان من الممكن أن ينبتوا وتنمو مواهبهم في جامعاتنا.
إن تهيئة الظروف والروافد لبناء الشخصية السوية المستنيرة هي من أهم مسئوليات وزارة التعليم العالى، بالتعاون مع الجامعات الحكومية والخاصة، والاتفاق على تقديم مناهج وأساليب تعلم حديثة، تتوافق مع ميول الطلاب، وتنمى فيهم روح المسئولية الوطنية والمجتمعية، وأن يكون التسامح هو السمة الأساسية وليس روح الجمود والاستعلاء الأجوف والتسلط، وأن يشارك الطلاب فى تقييم واختيار ما يريدون معرفته، والاطلاع عليه وفتح المجال أمام التنافس الخلاق والتنوع فى مصادر المعرفة، وليس الحجب والتخويف من الاختلاف،وذلك لنبذ الجمود الذى كرسناه بأن ما يأتى من الغرب هو الشر، بينما نعتمد عليه فى معظم المنجزات الحضارية من علوم ومخترعات، وأن نتعامل مع المعرفة بوصفها منتجا إنسانيا، علينا أن نتعلمه ونطلع عليه ونختار ما يناسبنا منه وما نستطيع أن نتميز فيه ونزيد عليه، وأن نصبح منتجين للمعرفة بعد أن نستوعب ما وصلوا إليه من تقدم.
لقد دفعنا ثمنا غاليا لترك الجامعات فى أيدى الجماعات المتطرفة تحت الترهيب والضغوط المختلفة حيث حرموا كل الأنشطة الثقافية والفنية بل تدخلوا فى المناهج الدراسية وألفوا كتبا ومراجع علمية، وفرضوا الظلامية وأحادية التقليد والجمود على أجيال من الطلاب، بدعوى أنهم يمتلكون الفهم الصحيح للدين، فكانت النتيجة هى التراجع السريع فى مستوى التعليم والانقطاع عن التقدم السريع الذى شهده العالم. لذلك وجب علينا تصحيح هذا الوضع الضار بمستقبل بلدنا وأبنائنا، وأن نرى فى الجامعات أهم مشروعاتنا فهى بالفعل القاطرة التى تقود المجتمع، إما للازدهار والتقدم بالمعرفة والإبداع والابتكار وخدمة المجتمع، وإما للانغلاق والجمود والتراجع وتدمير المجتمع.
أتمنى أن تشكل وزارة التعليم العالى لجنة مشتركة مع الجامعات، لمناقشة سبل إعداد طلاب المستقبل، ودعم الأنشطة الثقافية والفنية، وتطوير المكتبات والمسارح، وتنظيم مسابقات على مستوى الكليات والجامعات فى البحوث العلمية وتعزيز الفكر العلمى والنقدى، والاطلاع على تجارب الجامعات العالمية، وما تقدمه من علوم وثقافة وتبادل الخبرات معها، وتقييم دور الأساتذة على أسس لا تقتصر على الامتحانات التقليدية، وأن نعطى الأنشطة والإبداع مكانتها فى التقييم، ليكون لدينا روافد للتقدم والتحديث، تجعلنا قادرين بحق على أن نلحق بركب الحضارة، وأن نكون من صناع المستقبل والمساهمين فى التقدم الإنسانى.

نقلا عن الأهرام القاهرية 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى تتطور جامعاتنا حتى تتطور جامعاتنا



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon