بقلم - عـــلاء ثابت
أضحكتني كثيرا حملة جماعة الإخوان لإنقاذ الليرة التركية من الانهيار، فقد جعلت الجماعة من الليرة عملة مقدسة، بل وصل الأمر لاعتبار إنقاذها واجبا علي كل مسلم، وكأنها أحد أركان «الإسلام الإخواني»، ولا يريد أعضاء الجماعة أن يعرفوا ما حدث في سوتشي بين الرئيس الروسي بوتين والرئيس التركي أردوغان حول إدلب، حيث اتفقا علي نزع سلاح الجماعات الإخوانية المسلحة، ووضعها في معازل يطلقون عليها «مناطق منزوعة السلاح»، تتسلمها الدولة السورية في وقت لاحق، ليكون أردوغان قد باع الجماعة التي تستحق لقب «جماعة العميان»، فعندما انطلقت أحداث ما يسمي بـ «الربيع العربي» كانوا يرفعون صور أردوغان في ميادين عدد كبير من العواصم العربية، باعتباره خليفة المسلمين، وكانوا يرفضون الاعتراف بمعلومة دامغة، وهي أن تركيا شريك رئيسي في حلف الناتو، وأنها علي علاقة حميمة بإسرائيل، وأن الاقتصاد التركي مدعوم بمؤسسات مالية أوروبية وأمريكية، أرادت أن تجعل منه نموذجا للإسلام الموالي للغرب.
لقد رعت أوروبا والولايات المتحدة الاقتصاد التركي، ومهدت الطريق أمام حزب العدالة والتنمية، ليصل إلي الحكم في إطار مشروع كبير يجعل من أردوغان سلطانا علي المنطقة العربية، باستخدام جماعة الإخوان، ليكون واليها علي تلك المنطقة وأداتها في الهيمنة علي مقدراتها، وعندما انحرف أردوغان قليلا عن الدور المحدد له جري توقيع عقوبات عليه لتجبره علي العودة إلي رشده، وأن يستمر في رعاية المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة. وكانت بلدان أوروبا قد سمحت لحركة الإخوان الدولية بتأسيس 19 منظمة إسلامية في أوروبا تحت مسمي «اتحاد المنظمات الإسلامية»، وهو ما تكرر في الولايات المتحدة، لكن «الربيع العربي» مضي بانتكاسة كبيرة لحماية الإخوان وجاء الشتاء سريعا، لتخسر الجماعة كل معاركها في المنطقة بعد أن بددت الأموال الضخمة التي حصلت عليها، وبعدما كانت الجماعة تطمح إلي السيطرة علي كل دول المنطقة بعد تدمير مؤسساتها ومقوماتها الوطنية، أصبحت تستجدي أوروبا وأمريكا، لكي تضغط من أجل إعادة الجماعة لما كانت عليه قبل الربيع البائس، فقد انهارت الجماعة تماما في مصر، وكان أشد الضربات إيلاما، قانون مصادرة أموال الجماعات الإرهابية، والذي يشمل 118 شركة كانت العمود الفقري للجماعة، ليس لقيمتها المالية الضخمة فقط، وإنما لأنها كانت أداة رئيسية في تمويل الجماعة وزيادة نفوذها وتوظيف أعضاء الجماعة، وتمويل مشروعاتهم الصغيرة، وتقديم الرعاية الاجتماعية للأعضاء، بما جعلها دولة داخل الدولة، وإذا بالجماعة تعجز عن حكم الدولة المصرية، ولا تتمكن من الاحتفاظ بالدولة الإخوانية، وامتدت الخسارة إلي باقي دول المنطقة، ليأفل نجم الجماعة وتتساقط أوراقها، ولا يبقي لديها إلا شريان يأتي من تركيا، وآخر من قطر، وكلاهما معرض للتلف، ويعاني من ضمور شديد، ومهدد بالانسداد تماما، إما برضا الدولتين أو بإكراههما على نبذ الجماعة والتبرؤ منها.
تري الجماعة ورعاتها أن مصر هي من أسقطت المشروع الإخواني التركى القطري، وأن ثورة 30 يونيو كانت الرصاصة التي أردت المشروع قتيلا في كامل المنطقة، لهذا كان الحقد علي مصر وثورتها يعتصر الجماعة وداعميها المباشرين وغير المباشرين، ولهذا لا يتركون أي فرصة للتشهير بمصر ومحاولة النيل منها والتشكيك فيها ويشهرون كل أسلحتهم الدعائية ضدها، خصوصا في بلدان أوروبا والولايات المتحدة، التي مازالت تتمتع فيها جمعياتها بالدعم، وكلما اقتربت نهاية الجماعة اشتدت الحملات ضد مصر في محاولة بائسة لإثبات أنها مازالت علي قيد الحياة، ومن المؤسف أن نري مؤسسات إعلامية وسياسية في أوروبا والولايات المتحدة مازالت تواصل دعم حملات الجماعة وتراهن علي ما تبقي منها، رغم ما اقترفته الجماعة من جرائم في حق شعوب أوروبا والولايات المتحدة، لكن غض الطرف عن إرهاب الجماعة من جانب بعض المؤسسات يقابله وعي متزايد من جانب الرأي العام في تلك البلدان، والتي بدأ صوتها يعلو ضد كل من يناصر أو يدعم الجماعات الإرهابية، وتضغط لإغلاق مؤسساتها وجمعياتها، باعتبارها حاضنة للإرهاب، وتشكل خطرا عليها، لتعزز الأمل في أن يتجاوز العالم تلك الحقبة الرهيبة، التي كانت جماعة الإخوان أحد أبرز عناوينها، ويحدونا الأمل بأن تتوقف كل المؤسسات الأوروبية والأمريكية عن دعم كل الجماعات الإرهابية، وأيضا عن ازدواجية المعايير، وتقسيم الإرهاب إلي إرهاب سيئ وآخر جيد، وفق مصالحها الضيقة، وهو ما يثير استياء واسعا في الرأي العام تجاه هذه الازدواجية، ويواصل الضغط للمشاركة في القضاء علي كل أنواع الإرهاب.
والضغط من أجل التخلص منه، وهو ما لا تدركه جماعة العميان التى لا ترى تلك التحولات، ولا تدرك أن نهايتها باتت قريبة.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع